الهادي التليلي
عندما خرجت اليابان من الحرب العالمية الثانية وهي التي رميت بالنووي في كل من هيروشيما وناغازاكي توقع العالم أن تبرز ثقافة الحقد فيهم، وأن القنابل النووية التي خلفت ويلات ومآسي ستكون سببا من أسباب قيام حرب عالمية ثالثة.
وعندما خرجت ألمانيا ذليلة من نفس الحرب، وسلمت الألزاس لوران للحياد الدولي وتم حل جيشها وحملت وزر نتائج حرب كاملة توقع العالم أن يتفتت هذا الكيان ويتحول إلى دولة فقيرة جدا تنتمي للعالم الثالث، وأن تنمو النقمة لدى شعبها إيذانا بقيام حرب انتقامية.
وعندما خرجت رواندا الإفريقية من حربها الأهلية بين قبيلتي الهوتو والتوتسي وتصفية الملايين من الأشخاص في حرب عرقية وتوقع الجميع أن يفني كل طرف الآخر وتصبح بلدا بلا شعب و دولة أشباح.
وعندما خرجت إثيوبيا من مجاعتها التي عصفت بها نتيجة الحروب الأهلية انتظر الجميع أن تتحول إلى بؤرة فقر وجريمة بل وتهيئة لمستعمر قادم نتيجة ما عاناه هذا البلد الشاسع متعدد الأعراق.
ولكن إرادة هذه الشعوب وقياداتها اختارت الاستثمار في السلم عوض عن الحقد والحرب والكراهية اختارت تجاوز الأحقاد عوضا عن الانجرار في أنهار من الدماء لا تنتهي اختارت البناء لا الهدم.
فعلا هذه البلدان وغيرها من الأمثلة كثير، التي اختارت أن تتصالح مع ذاتها وأن تصالح بين أفرادها وأن تبني من الضعف قوة وهو ما حصل فعلا؛ فاليابان من فرط تقدمها أصبحت تسمى الكوكب الآخر ولم تنظر لأمريكا كقاتل أبنائها وإنما كشريك نجاح ونجحت عندما فشل الآخرون.
وألمانيا اختارت بدورها أن تنتج أفضل نسخة فيها خارج دوائر الحرب والانتقام فأصبحت أعتى قوة اقتصادية أوروبية ورقم صعب في معادلة القرار الأوروبي وحولت العالم إلى سوق مفتوحة لمنتجاتها.
ورواندا تحولت إلى قوة اقتصادية إفريقية لا يشق لها غبار أصبحت كل التحاليل الاقتصادية تتخذها كمنوال يحتذى به في مجال النمو الاقتصادي.
ونفس الشيء بالنسبة لإثيوبيا التي تحولت إلى بوابة إفريقيا الاقتصادية بتطور مطاراتها ووسائل نقلها وازدهار اقتصادها الذي أصبح من أميز اقتصاديات القارة بفضل التسامح والتجاوز.
وفي الحقيقة، ثقافة التسامح رافقت البشرية سواء في كتبها السماوية أو فيما بقي لنا من آثار الأولين مثل الإلياذة والأوديسة وجمهورية أفلاطون وغيرها.
وحتى في التاريخ القريب؛ ففلاسفة الأنوار أقاموا ثورتهم على التسامح..
التسامح هو المفتاح الحقيقي والجوهري لبناء الحضارات وتطور الشعوب؛ فالحقد والكراهية وقود حروب لا نهاية لها؛ لذلك من يريد درب المعالي عليه أن يختار الحل لا المشكلة.