صالح الشادي
تشهد المملكة العربية السعودية اليوم تحولاً ثقافياً هو الأكثر عمقاً واتساعاً في تاريخها الحديث، حيث تندفع بقوة نحو آفاق جديدة تزدهر فيها ميادين الفنون والترفيه والإبداع، مدفوعة برؤية طموحة يقودها سمو ولي العهد، تهدف إلى بناء مجتمع حيوي واقتصاد متنوع، ولم يعد هذا التحول مجرد خطط على الورق، بل أصبح واقعاً ملموساً يعيشه المواطن والزائر على حد سواء.
في قلب هذه النهضة تقف إستراتيجية شاملة أعادت تعريف مفهوم الثقافة ودورها. إذ لم تعد الثقافة ترفاً فكرياً، بل أصبحت ركيزة أساسية للتنمية وقطاعاً اقتصادياً واعداً، وقد تجلى هذا التحول في انفتاح غير مسبوق على مختلف أشكال التعبير الفني، من الفنون البصرية والمسرحية إلى الموسيقى والسينما. فأقيمت المهرجانات الدولية التي تضاهي كبرى الفعاليات العالمية، وافتتحت صالات العرض والمتاحف التي تقدم أعمالاً لفنانين سعوديين وعالميين، وبدأت صناعة السينما المحلية تأخذ مكانها على الخريطة السينمائية.
أحد أبرز ملامح هذه الطفرة هو تحرير طاقات الشباب الإبداعية؛ فبعد سنوات من الجمود النسبي، وجد المبدعون والمبدعات مساحات للتعبير وفرصاً للاحتضان والدعم. حيث برزت وجوه جديدة في مجال التأليف والإخراج والغناء والرسم وغيره. محققين حضوراً لافتاً ليس محلياً فحسب، بل وعربياً وعالمياً أيضاً. وقد ساهمت المبادرات الحكومية والمشاريع الخاصة المخصصة لرعاية الموهوبين في خلق بيئة خصبة لهذا الإبداع.
كما شملت هذه النهضة إحياء التراث الوطني العريق وإعادة تقديمه بأساليب معاصرة. فلم يعد الاهتمام بالتراث مقتصراً على الحفظ، بل تحول إلى استلهام روحه في أعمال فنية حديثة، ودمجه في تجارب سياحية ثقافية جذابة. هذا المزج بين الأصالة والحداثة أصبح سمة مميزة للمشهد الثقافي السعودي الجديد، حيث يتعايش الأصيل والمعاصر في تناغم لافت.
ولم تغفل هذه الطفرة الجانب الاجتماعي، حيث ساهمت الفعاليات الثقافية والترفيهية المتنوعة في إحياء الفضاءات العامة وتشجيع التواصل الاجتماعي، كما عززت من مشاركة المرأة كفاعلة رئيسية في صناعة المشهد الثقافي، سواء كمنتجة أو مستهلكة للثقافة.
على المستوى الاقتصادي، أصبح قطاع الثقافة والترفيه محركاً جديداً للتنمية، حيث اسهم في خلق فرص العمل، وجذب الاستثمارات الخارجية والمحلية، وتعزيز السياحة الوافدة. تلك المشاريع الثقافية الضخمة التي يجري تطويرها في مختلف مناطق المملكة حاليا، ليست مجرد منشآت، بل تعد محركات فاعلة للاقتصاد الإبداعي يمفهومه الواسع.
مختصر القول، أن الطفرة الثقافية في المملكة العربية السعودية حاليا هي رحلة تحول استثنائية تتجاوز تغيير الصور النمطية إلى بناء هوية وطنية شاملة وحيوية. وهي ليست مجرد انفتاح على العالم، بل هي حوار تفاعلي معه من موقع الثقة والاعتزاز بالهوية، مما يضع المملكة على طريق أن تصبح واحدة من أميز بقاع الثقافة والإبداع على الخريطة العالمية.