إعداد - عبدالله عبدالرحمن الخفاجي:
في مساحة تفيض بالدهشة والسكينة معًا، افتتح جاليري مرسمي في مدينة الرياض المعرض التشكيلي الشخصي «حوار مع الصمت» للفنان محمد آل شايع، وهو معرض يقدّم تجربة بصرية متفردة تقوم على تفكيك العلاقة بين الظل والنور، وبين الصوت الذي لا يسمع، والصمت الذي يتكلّم عبر اللون والملمس والفراغ.
منذ اللحظة الأولى لدخول القاعة، يشعر الزائر أنه أمام عالم يتجاوز ظاهر الأشياء ليغوص في أعماق ما تختزنه الروح من صمت وأسئلة. ألوان داكنة تتنفس الضوء، وتكوينات تشكّل فجوات للحكايات التي لا تُحكى بالكلام. إنها لوحة لا تُقرأ بقدر ما تُصغى إليها.
وفي حديثٍ مميّز حول المعرض، قال الأستاذ عدنان الأحمد مدير جاليري مرسمي: (الفنان التشكيلي محمد آل شايع وحوار مع الصمت.. أحد الأصوات البصرية البارزة في المشهد السعودي المعاصر، ينتمي إلى جيل يرى في اللون امتدادا للذات وفي التجربة التشكيلية بحثاً عن الجوهر، تتسم أعماله بعمق تعبيري وتوازن دقيق بين الحسية والتأمل، بين الظل والنور. يسعى آل شايع عبر لوحاته إلى الكشف عن المساحات الخفية في النفس محولا الصمت إلى لغة والأسود إلى بوابة نحو النور.
في هذا المعرض يفتح الفنان محمد آل شايع بوابة بين النور والعتمة بين ما يقال وما يصمت عنه، ليقيم حوارا يتجاوز اللغة نحو جوهر الرؤية فالفن عنده ليس ترفا بصريا بل قلق داخلي، توتر خفي، ينبع من مساحات لا تفسر بالكلمات، بل ترى وتحس من عمق الأسود حيث تنكسر الحكاية على حواف الضوء، يولد المعنى، يستحضر الفنان ما قاله بيسارو عن صديقه مانيه «إنه أعظمنا، رسم النور بالأسود» ليتحول هنا الأسود إلى منبع إشراق وإلى لغة صامتة تختزن الضوء في جوهرها.
حوار مع الصمت ليس بحثاً عن الجواب بل إنصات لما يقوله اللون حين يصمت كل شيء، إنه رحلة إلى الداخل إلى حيث يتكون الضوء في عمق الظل وإلى حيث يصبح الأسود مختبرا للمعنى وفضاء للتأمل في ماهية الوجود الفني ذاته).
يأتي هذا المعرض ليؤكد ما يمتلكه محمد آل شايع من بصمة فنية تتطور بثبات، مستندة إلى رؤية خاصة في فهم اللون الأسود ليس بوصفه علامة على الغياب، بل باعتباره أصلًا للوجود البصري. فهو يمزج بين التجريد والبعد العاطفي، مانحًا اللون سلطة الإفصاح وحرية البوح عن مكامن الداخل.
تتوزع أعماله على مساحات تتجسّد فيها الطاقة الحسية للعتمة، لتتحول إلى مرآة تسائل المتلقي عن حدود ما يراه وما يختبئ خلف الفراغ. فالخطوط لديه ليست مجرد عناصر تصميم، بل هي أثر للحركة الداخلية وكشفٌ تدريجي لما يريد أن يظهر من المعنى.
ويظهر في العديد من أعماله ذلك القلق الجمالي الذي أشار إليه الأحمد، حيث نلمس صراعًا خفيًا بين ثبات التكوين ورغبة اللون في التحرر، بين الهدوء المدروس والانفعال المكبوت. إنها أعمال تمنح الزائر فرصة التأمل الطويل، كما لو أن كل لوحة بابٌ نحو مواجهة الذات.
محمد آل شايع يضع صمته في اللوحة ليجعله أكثر صوتًا من أي صرخة. وفي هذا التوجه يقترب من جوهر التجربة الفنية المعاصرة التي لا تكتفي بأن تُرى، بل تسعى لأن تُفهم وتُعاش وتترك أثرًا داخليًا لا يغادر بسهولة.
«حوار مع الصمت» ليس مجرد معرض فني؛ بل تجربة تعيد تعريف علاقتنا بما نراه وبما نحاول تجاهله في أعماقنا. هنا يصبح الأسود نورًا، والصمت لغةً، والنظر رحلةً نحو سؤال الفن الدائم: كيف يمكن للوحة أن تقول كل شيء دون أن تنطق بكلمة؟
بهذا العمل، يرسخ محمد آل شايع مكانته كأحد الفنانين السعوديين الذين يسيرون بثقة نحو نضج بصري ورؤية تتجاوز المألوف، فيما يواصل جاليري مرسمي دوره الريادي في دعم التجارب التشكيلية المبتكرة التي تثري الحركة الفنية في المملكة.
** **
X: AL_KHAFAJII