د. فهد بن أحمد النغيمش
يعتبر (التشرُّه) من المصطلحات العامية التي لها رواج بين أفراد المجتمع والتي تعني العتاب وقد يكون على أقل الأشياء، فقد يكون العتب أو (التشرُّه) على شيء يستحق كواجب العزاء أو التهنئة بزواج أو زيارة مريض أو غير ذلك من الأمور المهمة، وقد يكون على أمور لا تستحق العتب كسؤال عن الحال أو عدم اتصال أو إرسال أو ما شابهه.
«كثرة التشرُّه» في وقتنا الحاضر وقت ازدحام الأشغال وكثرة الأعباء ليست شيئاً طبيعياً ولا صحياً إطلاقاً، وكثير من الناس يعتقد أنه كل ما زادت غلاوته ومحبته عند الشخص الآخر فإنه من حقه عليه أن يتشرَّه عليه لأي تقصير أو نقص أو لأي مشكلة تحصل من الطرف الآخر، وقد يكون التشرُّه والعتاب في بعض المواقف إلى حد ما مقبولاً، لكن الأفضل البعد عنه بقدر المستطاع، فالعلاقات الإنسانية لا تقوم على البحث عن الأخطاء، والمشاكل، قدر المستطاع وكل فيه من المشاغل والأعباء ما يشغله عن ذلك!
قد يكون مقبولاً من الوالدين فقط لعظم حقهما وكبير فضلهما وقبول تشرُّههما وعتابهما واجب متحتم، بل هو من البر في حقهما، لكن ليس من المنطق ولا من العقل أن يكون الإنسان متشرِّهاً على صديق أو شخص قابله يوماً ما أو أن له به سابق معرفة حتى وإن كان نابعاً من محبة وترديد (لولا غلاتك ومحبتك ما شرهت عليك)!
الناس ينفرون من الشخص كثير العتاب والذي يبادرك بالتشرُّه قبل بدء السلام أو أنه يجافيك ويزعل لمجرد أنك لم تسأل عنه يوماً ما ...، حتى وإن كان في حق أرحامك ومن تجب عليك صلتهم.
لا تترك مجالاً لأحد أن يؤثِّر على نفسيتك، أو على وضعك مع عائلتك، أو حتى في مكان عملك، حاول أن تعيش حياتك دون عتب على «فلان»، أو تشرُّه على «علاِّن»؛ لأنك إن فعلت ذلك ستعيش مرتاح البال، بل سعيداً بكل تفاصيل يومك حتى وإن كانت مرهقة، أمّا إذا استسلمت لتلك الأفكار التي تجعل كل من حولك هم المخطئون، وأن عليهم التواصل معك بشكل مستمر، والاتصال عليك، والرد بشكل سريع على دردشاتك في مواقع التواصل، فهنا ستقع في شر «السلبية» التي لن تتركك إلاّ وقد وجدت نفسك تُفضِّل «الوحدة»؛ بسبب أنك علَّقت سعادتك بهؤلاء، وأن صدمتك كانت كبيرة بهم، مما جعلك لا تثق بغيرهم وأن البقاء في المنزل أفضل وأسلَم!
ومن جميل نصائح سعد بن جدلان، رحمه الله:
ولا تعاتب... كل ماشفت زله
كثر التشرّه والعتب يوجع الراس
من جاز لك جِزْ له.. ومن شان خله
من تابع الزلات لا بد يحتاس
ويقول الشاعر الكبير أحمد الناصر:
وكثر التشرّه يجعل الناس تجفاك
ولا عاد تلقى بينهم من يخاويك
ولا تمادى في زعل من ترضاك
ما دام جاء عاني على شأن يرضيك
عيشوا حياتكم بسلام، ومن يتجاهلكم ابتعدوا عنه، ولا تحاولوا أن ترمموا ما بقي من علاقاتكم، لأن محاولة الترميم ستؤثِّر عليكم، وقد لا تُجدي نفعاً، وهي من باب التشرُّه الذي سيشغلكم عن أحباب بجواركم لكنكم لم تروهم جيداً.