د. سالم بن قليّل الجهني
في عام 1991، أنشئ مركز جنوب كاليفورنيا للزلازل في جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس انجلس بتمويل من المؤسسة الوطنية للعلوم (NSF) وهيئة المسح الجيولوجي (USGS)، واشترك في تأسيس المركز عشر جامعات: تسع منها من كاليفورنيا والعاشرة جامعة كولومبيا من نيويورك، وهذه الجامعة متميزة في الجيوفيزياء وعلم الزلازل ويرى بعض أهل الاختصاص أنها تأتي ثانية بعد معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا (كالتك).
كالتك هي الجامعة الأبرز في علم الزلازل وإمكاناتها فيه كبيرة وهي الجامعة التي كان يعمل فيها رختر صاحب المقياس المشهور، وبنيوف صاحب نظرية الاهتزاز الحر للأرض والتي استخلصها من زلزال تشيلي 1960 والذي بلغت قوته 9.5، ومن أساتذتها ديكس صاحب المعادلة المعروفة والتي يروج لها الجيوفيزيائيون ويتعاطاها الجيولوجيون المنقبون عن النفط والغاز.
في تلك الفترة، كانت كالتك تمتلك 240 محطة رصد للزلازل وجامعة جنوب كاليفورنيا كان عندها 24 محطة، وكان عندنا في المملكة 21 محطة وأظنها المحطات التابعة لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، الآن الوضع مختلف والاهتمام كبير ولا يتوقف عند الرصد والتسجيل فقط، بل يشمل المعالجة والتحليل واستخدام البيانات والاستفادة منها في مناحي تنموية، واقتصادية، وعلمية، وغيرها.
كان المركز نشطا واجتماعاتهم الدورية كثيرة، وكنت أحضر بعض هذه الاجتماعات واستمع إلى نقاشاتهم وكنت ألحظ عليهم علامات الترقب والقلق وأسمعهم يقولون إنه أظلهم زمن زلزال كبير في جنوب كاليفورنيا وذلك استنتاجا من الاستقراء التاريخي لسجلات الزلازل في المنطقة حيث تبين لهم أن كل ثلاثين سنة يحدث زلزال كبير، فعلا، ذلك الزلزال المرتقب حدث في نورثريدج عام 1994 وكانت قوته 6.7 على مقياس رختر،
الآن مر على ذلك الزلزال أكثر من ثلاثين سنة واكتملت الدورة فهل حان أوان زلزال جديد في المنطقة؟
ليست غايتي من هذا المقال الحديث عن الزلازل، ولكن أثار انتباهي نموذج مراكز البحوث والدراسات المشتركة والتي تشترك فيها عدة جامعات ويختار مقرها بناء على معايير واضحة، وفي هذه الحالة الموضوع متعلق بالزلازل في جنوب كاليفورنيا فاختاروا جامعة تقع بالقرب من الصدع الذي ارتبطت به الزلازل الكبيرة في المنطقة، إضافة إلى أنها جامعة تمتلك كل الإمكانات التي تؤهلها لاحتواء هذا النوع من المراكز، وأهمها مجموعة من الأساتذة البارزين وفرق بحث جادة وبرامج دراسات عليا قوية تختار طلابها بعناية.
طلاب الدراسات العليا يقومون بدور مهم ومؤثر في البحوث العلمية في الجامعات وبالذات في وجود سيل من البيانات والمعطيات التي تحتاج معالجة وتحليل واستخلاص النتائج ونشر الأوراق العلمية، البحث العلمي وبرامج الدراسات العليا في الجامعات قرينان لا ينفصلان، ومن أراد أن ينشئ مركز بحث في جامعة لا يتوفر فيها دراسات عليا فليستعد لزيادة التكاليف.
في خضم النمو والتنوع الاقتصادي وتطور قطاعات واستحداث أخرى، يكثر الحديث عن البحث العلمي ودور الجامعات في الاستفادة من موارد هذه القطاعات والمساهمة في نموها ما يمثل عملية تكاملية بين الصناعة والأكاديميا، فتبادر بعض الجهات والمؤسسات وتدعم مراكز بحثية في عدد من الجامعات، ولكن تتبدد هذه الجهود على مشاريع متوازية ومنفصلة ويكون المردود دون المأمول فتحدث ردة فعل سلبية.
ولعله من الأنسب للمؤسسة الداعمة أن تختار جامعة ملائمة جغرافيا وعلميا لمنشطها واهتماماتها وتنشئ فيها مركز وتدعو بقية الجامعات ذات الاهتمام للمشاركة فيه وتختار للمركز قائدا متمكنا علميا وإداريا وتوفر له فريق مساعد يعاونه على أداء مهامه وفي نفس الوقت تعمل على إعداد الكوادر الوطنية لضمان استمرار عمل المركز.
نموذج آخر وجدته في جامعة تكساس، وهو أن سبعا من شركات الطاقة وشركات الخدمات المرتبطة بها قررت إنشاء مركز أبحاث في الجامعة لدراسة موضوعات ذات اهتمام مشترك، وأذكر من شروطهم أن عضوية هذا المركز تبقى مغلقة على هذه الشركات المؤسسة ولا يسمح بدخول عضو جديد إلا بإجماع هذه الشركات على الموافقة والقبول به.
وفي كل الحالات تحتفظ الجامعة بملكية الحقوق الفكرية.
السؤال: هل يوجد مثل هذه النماذج لمراكز البحوث المشتركة في الجامعات عندنا؟ ربما! لكن هذا يتطلب المرونة والطمأنينة والثقة وهذه لا تكون إلا في قائد حقيقي جدير بمنصبه.