الهادي التليلي
ليست الفعالية الترفيهية مجرد منشئ ومتقبل ومحتوى بل الأمر أعمق وأكثر تشعبا خاصة حينما يتعلق الأمر بكيفية إنجاز الفعالية، ومن بين هذه الكيفيات نتحدث هنا تدقيقا على مسألة إدارة الحشود وهي مسألة شديدة الدقة والخطورة، ومن ثم هي من أهم مرتكزات أي عمل يلتقي في المنشئ بالجمهور بل ويعد أي خطأ عواقبه كارثية وأذكر هنا حفلا عايشت تفاصيله سنة 2007 والمعبر عنه مأساة ستار أكاديمي صفاقس حيث توفي 7 وجرح 32 من الجمهور الحاضر أيامها كنت رئيس خلية المهرجانات، وحدسي دفعني لكي أكون حاضرا نظرا لأن الشركة المنظمة كانت مفروضة على إدارة المهرجان لعلاقتها المباشرة بالسيدة الأولى آنذاك.
ولأن الخبرة في التنظيم غائبة والجمهور كان غفيرا آنذاك بفضاء مهرجان سيدى منصور بصفاقس، بمجرد أن حان وقت انطلاق الحفل دون النظر إلى الجمهور، إن كان قد أخذ وضع الجلوس كاملا ودون إشعال الأنوار قبل الحفل حتى يتمكن الجمهور من رؤية مقاعده ودون مراعاة لطبيعة المسرح في شكل مدرج، فجأة والانوار مطفأة خرج نجوم ذلك الوقت من ستار أكاديمي للمسرح لتحية الجمهور فحصلت حالة تدافع خطيرة في الظلام وفي المدرج مما أدى إلى سقوط أكثر من مائة شخص فوق بعض وحدثت المأساة.
تنظيم الفعاليات وإدارة الحشود ليس مجرد هواية إنه عمل احترافي ومسؤولية، لذلك فان اشتراطات اعتماد شركات إدارة الحشود دقيقة جدا.
فإدارة الحشود تتطلب الكثير من التخطيط والتنسيق مع الدفاع المدني والجهات الأمنية وخرائط دخول وخروج الأشخاص وخطة تنظيمية في إدارة الفعالية وتوزيع أزمنة الفعالية وأزمنة حركة الجمهور والتواصل مع الزوار، إما الإشارات البصرية التوجيهية او بواسطة الأعوان أو التواصل الصوتي وغير ذلك من سبل التواصل المباشر مع الحشود وإدارة كل ذلك وفق خطة مدروسة ومعلوم أن إدارة الحشود تختلف حسب الأماكن فهناك الفضاءات المفتوحة والفضاءات المغلقة والفضاءات النصف مفتوحة، ولكل منها تفاصيل حمائية تستجيب لخصوصيّتها.
ولو نظرنا إلى آلية إدارة الحشود في موسم الرياض نجد أن عدد الحاضرين خلال الربع الثالث من العام الحالي فاق 12,6مليون لعدد 468 فعالية توزعت على 116مدينة وهو جهد كبير جدا في إدارة كل هذه الحشود في هذا الزمن وهذه المواقع، وهذا يحسب للهيئة العامة للترفيه ولجهودها ولتناغم وتعاون كل الأطراف والجهات الوطنية في إنجاح موسم الرياض الذي يعد الأول عالمية من حيث النوع والكيفية والقوة مما جعل منه مثالا يحتذى به على جميع المستويات.
ولعل من أهم مكونات إدارة الحشود في الفعاليات الترفيهية هو شعبة إدارة الأزمات والتي هي متوثبة دائما وفي كل حين للتدخل في حال وجود تدافع أو شغب أو حرائق لا قدر الله او غير ذلك لتكون في مواجهة التحديات المطروحة.
الهيئة العامة للترفيه بالمملكة العربية السعودية صنعت منوالا ترفيهيا ليس فقط في مجال محتوى الفعاليات وعددها وقيمتها بل أيضا في كيفياتها وفي صناعة وتعميد آلياتها متراخية إدارة الحشود التي تقدمها الهيئة وفق معايير الفعاليات الترفيهية التي تختلف تماما عن إدارة الحشود في الحج والعمرة وفي السياقات الأخرى من حيث الشكل.
إدارة الحشود؛ سواء في مواسم الحج والعمرة أو في موسم الرياض تعد درسا يعلم في الجامعات والأكاديميات، كما أنها خبرة تحتاج إلى سنوات ضوئية لاكتسابها والنهل من خبرة هذا البلد في هذا المجال.