د. رانيا القرعاوي
تشير بيانات «مؤشر التحول البيئي 2024» الصادر عن Veolia–Elabe إلى أن 86 % من السعوديين أصبحوا يقرِّون بأن تغيُّر المناخ حقيقة قائمة، بعد أن كانت النسبة 59 % فقط قبل عامين. كما يعتبر 67 % أن الخطر جادًا وفوريًا. هذه القفزة لا تعكس زيادة في المعرفة فقط، بل تحولًا في طريقة إدراك المجتمع للقضية.
في المقابل، يوضح تقرير Climate Futures Report: Saudi Arabia in a 3-Degrees Warmer World الصادر عن KAUST عام 2023 أن المملكة من أكثر المناطق المُعرضة لتسارع التأثيرات المناخية مقارنة بالمعدلات العالمية، خصوصًا ما يتعلق بالمياه، الزراعة، والصحة العامة. ويوضح التقرير إلى أن بعض المؤشرات بدأت تتحرك فعليًا، وأن تأثير التغير المناخي قد يصبح ملموسًا في المدى القريب، وليس البعيد.
وعلى الرغم من تطور هذا الوعي الجمعي، يبقى تناول الإعلام محدودًا بمناسبات أو تصريحات مرتبطة بالحدث، لا بمسار المتغير المناخي ذاته. هذا النمط يتوافق مع ما يصفه أنثوني داونز في نظرية تصعيد القضايا، حيث تمر القضايا العامة بموجة اهتمام مرتفع في بداية ظهورها، ثم ينخفض التركيز الإعلامي قبل الوصول إلى حلول فعلية. يقول داونز: (تمر القضايا الكبرى بدورة وعي مؤقت، تبلغ ذروة الاهتمام سريعًا، ثم تتراجع قبل الوصول لمعالجة حقيقية).
وتظهر دراسة معهد رويترز حول الجمهور وأخبار المناخ 2024 أن الاهتمام الإعلامي لا يواكب الخطر. فوفقًا للمسح الذي شمل ثماني دول في نوفمبر 2024، فإن نسبة من يتابعون أخبار المناخ أسبوعيًا لم تتجاوز 50 %، وهي تقريبًا ثابتة منذ عامين، رغم اشتداد الأزمة عالميًا. الدراسة تفسر ذلك بمفهوم جمود إدراك المناخ (Climate Perception Inertia)، حيث يتوقف تطور الوعي عند مرحلة القلق دون أن يتحول إلى متابعة فعَّالة أو سلوك مؤثِّر، ويرتبط ذلك مباشرة بطريقة تناوُل الإعلام للقضية
ويظهر ذلك بوضوح في الطريقة التي تفاعل بها الإعلام المحلي مع مؤتمر COP30، حيث ارتفع مستوى الحضور أثناء انعقاده والنقاشات المصاحبة له، خصوصًا بعد الإشارة إلى المبادرات السعودية مثل «السعودية الخضراء» واعتماد نموذج الاقتصاد الدائري للكربون، لكن التناول الإعلامي عاد إلى الانخفاض عقب المؤتمر مباشرة، دون متابعة لتفاصيل المخرجات أو ما لم يتحقق منها. ورغم أن المؤتمر أكد ضرورة توسيع التمويل العالمي للتكيّف ثلاث مرات، لم تُناقش بعمق الخيارات الواقعية للدول النفطية، ولا دور المملكة في الانتقال من مرحلة المشاركة إلى صناعة الحلول المناخية على الأرض.
هذا التباعد بين وعي المواطن وخطاب الإعلام يعني أن المعرفة المناخية لا تتحول بالضرورة إلى فعل، وأن المجتمع بات يتقدم في فهمه بينما لا يزال الإعلام يتعامل مع الموضوع بوصفه حدثًا عابرًا.
عندما يعاد تناول موضوع المناخ بوصفه قضية ترتبط بالحياة اليومية لا بموعد مؤتمر، يمكن للإعلام أن يتجاوز دوره كناقل إلى دوره كعامل محفِّز للتكيّف المجتمعي. الأزمة واضحة، والوعي موجود، وما ينقص هو الانتقال من الاهتمام المرحلي إلى المتابعة المستمرة.