سهوب بغدادي
تنطلق عبارات غريبة من البعض عند رؤية طفل لطيف أو حيوان صغير، أو شيء متناهي الصغر: كنفسي آكله أو أعضه أو أضربه أو أقرصه أو أبلعه، وتترافق تلك العبارات على الأغلب بإيماءات عنيفة كناية على الأفعال وتمثيلها على أرض الواقع، حيث تتناقض ردة الفعل مع الإحساس الكامن بالحب والإعجاب لذلك الشيء أو الكائن الصغير الضعيف، فما الخطب؟
يعرف «love aggression» على أنه «حب العدوانية» أو «الرغبة للعنف»، وهي ظاهرة نفسية تحدث عندما يشعر الشخص بالحاجة إلى إظهار سلوك عدواني على السطح، مثل الضغط على الأسنان بقوة أو قبض اليد تمثيلًا للضرب، أو التعبير بكلمات عنيفة كنفسي أقرصه أو آكله، أو أضربه، تجاه شيء ما يراه لطيفًا جدًا ومحببًا، علمًا بأنه لا نية للشخص في إلحاق الأذى بالشيء اللطيف للغاية على أرض الواقع، بل يعتقد العلماء بأنه طريقة للتنفيس عن المشاعر الفياضة والمنهمرة بشكل غزير ويفوق تحمل العقل، على النقيض، قد يواجه البعض انهمار الدموع والبكاء في ذات المواقف نظرًا للشعور الغامر والفائض عن الحد المعتاد والمتحمل بالنسبة للفرد، أي أن الدماغ يتعرض لمحفز قوي يثير ويفعل منطقة المكافأة في الدماغ والعاطفة، على الأغلب ينبع ذلك الشعور من إحساس الشخص العالي بالرعاية والاهتمام بالشيء القابل للأكل، فلا بأس من تلك التعبيرات إن كانت معتادة ودارجة وغير مؤذية.
إلا أن الإشكالية تكمن عندما يترجم البعض المشاعر العدوانية بأفعال سلبية، فهناك من يقوم فعلًا بضرب الطفل وقرصه ورميه في الهواء بل دغدغته، إذ كانت الأخيرة إحدى وسائل التعذيب الأولية في العصور القديمة، فضحك الطفل ليس إلا من جهل وعدم ارتياح وخروج عن الشعور الطبيعي.
وتلك بعض الأمثلة التي تحضرني وقد تمتد الأفعال والأقوال إلى ألفاظ نابية أو تعمد الشتم بحسب الشخص، لذا فإن الظاهرة في حد ذاتها ليست مؤذية ولكنها قد تنقلب إلى القطب الآخر في حال ترجم الشخص المشاعر الإيجابية بطريقة سلبية عنيفة ومؤذية، برأيي، قد تكون تلك التصرفات والأقوال مجرد توظيف للغة بشكل تفاعلي مع المشاعر، كحركة ذكية من الدماغ لتهدئته وإعادة توازنه عبر عكس الشعور الكامن إلى نقيضه مما يثير المحيط ويستجلب الأنظار ويوقف ويجمد اللحظة للتفكر فيما قيل، كلحظة تأمل أو دقيقة صمت، ثم الوعي الضمني بعدها أن تلك ليست إلا مزحة ثقيلة قليلًا أو لنسمها كوميديا سوداء ناجمة عن انفعالات النفس الفياضة.
«الحب والعنف يسيران دائمًا جنبًا إلى جنب، يمكنك فقط إيذاء أولئك الذين تحبهم حقًا» - آفا فارمهري