د.محمد بن عبدالرحمن البشر
تشرق الشمس صباح كل يوم، وفي بعض الأيام يتسلل النسيم الرائق في الصباح الباكر يتهادى كأنه غادة حسناء تمشي على وجل، ويحمل معه عبق الخزامى المختلط بريح الندى، فالأفق طلق، ومرأى الأرض قد راق، وكأنه يحاكي وصف ابن زيدون في إحدى قصائدة الرائعة:
وَلِلنَسيمِ اِعتِلالٌ في أَصائِلِهِ
كَأَنَّهُ رَقَّ لي فَاعتَلَّ إِشفاقا
وَالرَوضُ عَن مائِهِ الفِضِيِّ مُبتَسِمٌ
كَما شَقَقتَ عَنِ اللَبّاتِ أَطواقا
وَردٌ تَأَلَّقَ في ضاحي مَنابِتِهِ
فَازدادَ مِنهُ الضُحى في العَينِ إِشراقا
سَرى يُنافِحُهُ نَيلوفَرٌ عَبِقٌ
وَسنانُ نَبَّهَ مِنهُ الصُبحُ أَحداقا
في ظل المكان والزمان والطقس، يروق الخاطر، ويتفكر الإنسان في خلق الرحمن، ويبحر بعيداً فيذكر النجوم في كبد السماء وهي تتلألأ ويصل إلينا ضوؤها، وقد فنت، ويبحر المرء في هذا الكون الفسيح الذي تسبح فيه ترليونات المجرات العظيمة، وهي في حركة دائمة بسرعات فائقة كما تسير نجومها وكواكبها بسرعات مختلفة حول محاورها، لتتهافت عند إرادة الله في ذلك الثقب الأسود، تهافت الفراش على النار، وإن صدقوا أن هذا الكون قد أنشأه الله قبل ثلاثة عشر مليار سنة، بعد الانفجار العظيم، حيث كانت هناك الكبسولة الصغيرة عالية الكثافة بدرجة لا توصف، ليكون هذا الكون الذي نراه، لكن السؤال الذي عجز أصحاب النظرية عن الإجابة عليه، أين كانت هذه الكبسولة إذا لم يكن هناك كون قبل الانفجار، فسبحان الخالق.
ويبحر الإنسان في تفكيره، والنسيم يحمل إليه ريح الخزامى، فينظر إلى الأرض الذي يزعم العلماء أنها انفصلت عن الشمس قبل أربعة مليارات ونصف سنة تقريباً، وخرج منها القمر بعد مائتي مليون سنة، فسبحان الخالق منشئ السماء والأرض، ويتذكر ما يقوله العلماء عن الانفجار الحيوي الكبير الذي حدث في العصر الكمبري قبل خمسمائة وثمانية وثلاثين عاما تقريباً، ونشأة فيه وبعده أنواع كثيرة من المخلوقات الحيوية، والتي مازالت تندثر ويخلق الله غيرها كل يوم، وهناك ما يتطور ويتحور ليكون شيئاً آخر بأمر الله، إن صدقت النظريات العلمية.
ويتفكر الإنسان في خلقه هو، حيث يقول العلماء إن الجنس البشري قد وجد قبل مليونين وثمانمائة عام، لكن جنسناً الحديث قد نشأ قبل ثلاثمائة ألف عام، أما الانسان العاقل فقد وجد قبل خمسين ألف سنة، والذي أصبح قادراً على الإبتكار والاستفادة من الأدوات، وغادر بعض أفراده أفريقيا واختلط بنوع بشري آخر في أوروبا الذي لم يعد له وجود، ربما لأن الإنسان العاقل قد أفناه، وتأقلم هذا الإنسان العاقل مع الطبيعة الباردة القاسية. وقد استطاع الإنسان العاقل الحالي لا سيما إنسان الثورة الصناعية أن يبتكر ابتكارات هائلة غيرت وجه البشرية.
وبعد هذا كله يبدو أن الإنسان في غياب الكثير من القوانين الدولية الملزمة، والقيم الأخلاقية المحددة للسلوك والشهوات، قد يعمل على فناء نفسه وغيره من المخلوقات باستخدام القنابل النووية، أو ما قد يخترعه من أسلحة أخرى في المستقبل، أو حتى أسلحة كيميائية أو بيولوجية فلعل الإنسان يجعل من نفسه حكماً لما هو في صالحه.