أ.د.صالح معيض الغامدي
كتبت قبل أيام تغريدة نصها “ كثيرا ما نرى في وسائل التواصل الاجتماعي مثل التيك تك كيف تحول الحياة الشخصية في كثير من الأحيان إلى محتوى، فهل يمكن أن يندرج هذا العمل تحت مظلة السيرة الذاتية بطريقة أو بأخرى ؟!!”.
وقد حظيت هذه التغريدة بردود أفعال متبانية؛ فهناك من عدها كذلك، وهناك من لم يعدها كذلك، وأنا أرى أنها ضرب جديد من ضروب السيرة الذاتية العصرية مع تفهمي وتقديري للتحفظات التي يبديها الفريق الآخر.
وسنحاول في هذا المقال ذكر بعض الأسباب التي يمكن الاستناد إليها في عدم استعمال الشخص (أو صانع المحتوى) حياته محتوى في وسائط التواصل الاجتماعي ضربا جديدا من ضروب السيرة الذاتية، حتى وإن لم يصبح هذا الأمرمقبولا عند بعض الناس بعد.
إن سيرة ذاتية هذا النوع من السرود في وسائط التواصل الاجتماعي تتجلي في كون هؤلاء الأشخاص (صناع المحتوى) الذين يقدمون أو يصنعون محتوى يدور حول حياتهم وتجاربهم الحياتية المتنوعة ويقومون بسردها لجمهورهم لأسباب عديدة لا مجال لذكرها هنا، فالسارد في هذه البرامج هو بطل القصص والأحداث التي يسردها بوصفها أحداثا واقعية قد حدثت له، وهو يستعمل ضمير المتكلم في سردها، وهذه الأحداث تسرد بطريقة استعادية أو استرجاعية، بمعني أن الأحداث التي يقوم صانع المحتوى بسردها قد حدثت بالفعل وانتهت. وهذه أهم سمات السيرة الذاتية التقليدية.
وهذه المحتويات لا تختلف كثيرا عن السيرة الذاتية المرئية والمسموعة التي نراها في البرامج التلفازية السيرذاتية المنتشرة هذه الأيام بكثرة، ولا بد أن ندرك بأن السيرة الذاتية هي جنس كتابي ومرئي وأدائي دائم التطور والتحول، وهذا يقتضي منا إدراك هذه الحقيقة، ومحاولة تفهم الأساليب الجديدة في كتابة أو صناعة الحياة في وسائط التواصل الاجتماعي، التي تلقى رواجا وإقبالا من الجمهور.
وعوضا عن رفض النظر إلى هذه المحتويات الشخصية بوصفها سيرا ذاتية لحياة صانعيها (أو على الأقل لبعض أبعادها) ينبغي على الرافضين تفهم التطور التقني الهائل الذي نمر به الآن، وأن نحاول الاهتمام بهذا النوع من المحتوى الذاتي ودراسته وتبين أبرز معالمه، لأن رفضه ورفض سيرذاتيته لن يغير من الواقع شيئا. فالناس تقبل كثيرا على مشاهدته، ومتابعته، فضولا واستفادة واستماعا.
نعم، هذا النوع من السير الذاتية يختلف عن السيرة الذاتية التقليدية فهو جنس مرئي رقمي أدائي تفاعلي في أساسه، ويتسم بالتشظي إذا يعرض مقاطع منفصل بعضها عن بعض أول وهلة، لكنها في النهاية قد تشكل في مجموعها سيرة كاملة مستقلة. وهذا النوع من السير الذاتية يتسم كثيرا بطابعه التجاري وبكثرة المبالغة فيه جذبا للمشاهدين والتابعين، ثم هو في النهاية جنس سيرذاتي تفاعلي يكون للمشاهدين والمتابعين دور مهم في تشكله.
وأعتقد أن المستقبل كفيل بترسيخ هذا المحتوى الشخصي في وسائط التواصل الاجتماعي بوصفه سيرة العصر الرقمي الذاتية!!