محمد العويفير
تتكرر في الخطاب الرياضي مقولة مبسّطة مفادها أن «الإنفاق الكبير يجب أن ينتج بطولات فورية»، وتظهر هذه العبارة مع كل مشاركة للمنتخب السعودي، وكأن مشروعاً بحجم التحول الرياضي في المملكة يمكن تلخيصه في سؤال أين النتائج؟
ورغم أن السؤال يبدو للوهلة الأولى وجيهاً، إلا أنه في حقيقته راحة ذهنية لمن يفضّل النقد السهل على الفهم الصعب.
لا يُنظر إلى الاستثمار الرياضي باعتباره مبلغاً مقابل كأس، فالدول التي سبقت إلى هذا المجال اليابان، بلجيكا، لم تحقق إنجازاتها الدولية لأنها أنفقت كثيراً، بل لأنها أنفقت طويلاً وفي الاتجاه الصحيح، لم تحصد إنجازاتها لأن أحداً لوّح بشيك مفتوح، بل لأنها تبنّت رؤية طويلة النفس، لا رؤية «من مباراة إلى مباراة»، لكن البعض يتعامل مع الرياضة وكأنها تطبيق إلكتروني، تدفع فتفوز، وإن لم تفز؟ «إذاً هناك خلل».
وهذه قراءة لا علاقة لها بالرياضة.
الواقع أن الرياضة السعودية اليوم لا تستثمر في منتخب فحسب بل في قطاع كامل، منشآت حديثة، دوري احترافي مؤثر، تطوير للمواهب، هيكلة للإدارة، اقتصاد رياضي صاعد، واستضافة أحداث عالمية. ومع ذلك يصرّ بعض الخطاب الخارجي على اختزال كل ذلك في سؤال البيع المباشر «أين الكأس؟»
وكأن من يبني مدينة كاملة يُحاسَب على سرعة افتتاح أول مقهى فيها، التحول السعودي بات ملموساً في كل تفصيلة رياضية، ارتفاع جودة المنافسات، تضاعف قيمة الأندية، توسع سوق الانتقالات، ارتفاع الحضور الجماهيري، وازدياد المتابعة العالمية للدوري السعودي. هذه ليست «تفاصيل تجميلية»، بل مؤشرات تدل على صناعة تتشكل، لكن البعض يصرّ على غضّ الطرف عنها، ربما لأن الاعتراف بها أثقل من ترديد عبارة جاهزة حول «المليارات».
واللافت أن نقد «الإنفاق بلا بطولات» لا يوجَّه إلا للمشاريع التي حققت أثراً حقيقياً، فالمشاريع الهامشية لا أحد يكلّف نفسه بسؤالها أساساً، أما المشروع السعودي فيثير ضجيجاً، ومع الضجيج يظهر ذلك النقد الذي يحاول أن يختزل التحول في نتيجة مباراة واحدة، الإنجاز الرياضي لا يُقاس بموسم واحد، ولا يُختصر في صعود أو خروج، بل في تأسيس بيئة قادرة على إنتاج المنافسة جيلاً بعد جيل، والسعودية تسلك هذا المسار بخطة طويلة وواضحة، لا بخطة «رد فعل»، وعندما تكتمل عناصر البناء، ستكون البطولات نتيجة طبيعية، لا حدثاً استثنائياً يحتاج إلى شرح أو تبرير.
رسالتي
إن السؤال الأهم اليوم ليس: «لماذا لم تحقق السعودية بطولة هذا العام؟» بل: كيف سيبدو المشهد الرياضي الإقليمي حين ينضج هذا المشروع تماماً؟ وهذا سؤال لا يفضّله بعض النقاد، لأنه ببساطة أكبر من حجم أدواتهم.
***
- محلل فني