د.شريف بن محمد الأتربي
التعليم هو رسالة بدأها الله تعالى بنفسه حين علم آدم عليه السلام الأسماء كلها، هذا على مستوى البشر، ومن قبله كافة المخلوقات علمها الله تعالى كيف تعيش وتتعايش في البيئة التي خُلقت لها؛ لذا فالتعليم هو وسيلة أي كائن أو مخلوق من مخلوقات الله عز وجل ليس للتطور فقط، ولكن لإمكانية العيش والتعايش على ظهر هذا الكوكب.
بدأت رحلة التعليم منذ قرون عديدة، وأزمنة مديدة، مرّت على أمم وحضارات، ودول وإمبراطوريات، تعددت طرقه ووسائله، واختلف القائمون عليه، وتنوّعت الأفكار والأساليب، مما جعل التعليم محطّ أنظار واهتمام الكلّ. ومع تطور الزمن، وظهور تقنيات جديدة، ازداد حراك التعليم وتعقيده، فكل تقنية تلوح في الأفق تحمل معها وعودًا بالتغيير، ولكنها أيضًا تأتي بمخاوف وتعقيدات.
كانت ألواح الكتابة حدثا في وقت ظهورها بعد أن كانت الجدران والصخور وأوراق الشجر مادتها المفضلة، ثم يتطور التعليم وتنشأ المدارس والجامعات وتتطور الوسائل والتقنيات، مرورا بالحاسوب ووصولا للمدعو الذكاء الاصطناعي.
تشابكت التقنيات الحديثة ببعضها البعض فلم تعد تترك فرصة للإنسان أن يتعرف عليها بدقة، أو يتقن استخدامها بحرفة، وكل هذه التقنيات مرت من أبواب المدارس والفصول، وأصبحت هاجسا في العقول، سارع البعض لاستخدامها الصحيح، واستخدمها البعض من أجل التصريح والتلميح بمواكبة التعليم لكل جديد سواء أكان مفيدا أم غير سديد.
بين ليلة وضحها خرج علينا برنامج الشات جي بي تي، ليقول للطلبة والطالبات لا ترهقوا أنفسكم في البحث عن المعلومات، فأنا رفيقك الجديد في رحلة التعلم نحو الأكيد والمفيد، فبعد أن كانت محركات البحث هي الملجأ والملاذ، صار السيد AI هو رفيق المتعلمين، ودليل المعلمين، خاف منه التربويون، وسعدت به الأمهات والمعلمون، فقد خفف عنهم وطئه البحث عن المعلومة، وجعل من الجاهل كأنه حاصل على «دبلوما». عقدت المحاكمات وقررت القرارات، ولكن لم يصل الجميع لحل أكيد ويبقى الأمر على ما هو عليه، وعلى المتضرر اللجوء للقضاء كقاعدة فقهية أو قضائية.
إن المشكلة الكبرى ليست في استخدام التقنية في التعليم، ولكن المشكلة في توظيف التقنية لصالح التعليم، وكلما جاءت تقنية جديدة اختفت القديمة كأنها لم تمر على التعليم يوما، وأصبحت الحيرة الدائمة، كيف نستخدم هذه الجديدة في تعليمنا؟
لعل أقدرنا على الإجابة عن هذا السؤال هو المعلم ذاته، حيث يتجلى دوره اليوم في الحكم على هذه التقنية، وكيف يمكن توظيفها لنيل العلم، مع الوضع في الاعتبار ضرورة التوازن بين الاستفادة من التقنية والتأكيد على القيم الأساسية للتعليم، تلك القيم التي تُعلّم الاحترام، والتفكير النقدي، وحرية التعبير. إن أهم القيم التي يجب أن نكسبها لطلابنا هي ألا يسمحوا للتقنيات الحديثة أن تُخضع عقولهم، وتسيطر عليها كما فعلت أجهزة المحمول من تغييب العقول والتحكم في كل الأمور الحياتية منها والتعليمية.
ورغم كل هذه التحديات يجب علينا التعلم من التجارب السابقة، وأن نكيف مناهجنا لتواكب التغيرات المتسارعة، مع المحافظة على جوهر الرسالة التعليمية، فلا التعليم سيتوقف، ولا التطور التقني سينتهي، والحل الأمثل أن يتزاوجا ولا يتضاربا فالزمن يمضي بكل منهما، ولا بد من التعاون والتآزر لمصلحة الطلاب والطالبات، والمعلمين والمعلمات.
إن التعليم رسالة تسعى لتكوين العقول، وفي ظل التقنيات الحديثة هناك العديد من التحديات، لكنها أيضًا تُعطي فرصًا، لذا لحظة التفكر والتأمل ضرورية. فليكن كل فرد منا جزءًا من الحل، ولنضع المصلحة العامة نصب أعيننا، ونعمل معًا على ترسيخ أسس التعليم السليم في عصر يتغير بسرعة البرق.