ميزانية 2026 تهل علينا كل عام بأرقام ليست مجرد أرقام وجداول فقط، بل هي بمثابة رسالة واضحة تعلن أن الاقتصاد السعودي بدأ مرحلة جديدة ضمن رؤية 2030. هذه المرحلة تختلف، حيث لم يعد الهدف فقط إثبات القدرة، بل التركيز الآن على تعزيز الأثر المستدام، وسط تباطؤ النمو العالمي وتصاعد الحواجز التجارية وتفاقم التوترات الجيوسياسية، حيثُ تعكس الميزانية مرحلة اقتصادية تتسم بالتوسّع المحسوب، إذ تشير تقديراتها إلى إيرادات تبلغ 1147.4 مليار ريال مقابل مصروفات تُقدّر بـ 1312.8 مليار ريال، ما ينتج عنه عجز متوقع يصل إلى 165.4 مليار ريال، وهو لا يؤثر على التوجه الاستثماري الطموح للميزانية والمنسجمة مع هدف النمو الاقتصادي المتوقع بنسبة 4.6 في المائة، ويستند إلى تعزيز القطاعات الإنتاجية، وفي مقدمتها القطاع العقاري ومدى وصفها كأحد أهم المحركات التنموية المرتكزة على الرؤية المستقبلية للاقتصاد الوطني.
إن المرحلة الثالثة من رؤية السعودية 2030، كانت توسّع محسوب يقود التنمية، بتوسيع دائرة الاستثمار في القطاعات الإستراتيجية، وتطبيق سياسات مالية مرنة تعزز الاستدامة وتدعم التحول الاقتصادي. وهو ما نراه في زيادة الإنفاق على البنية التحتية، وتطوير المدن، وتمكين القطاعات غير النفطية، لخلق اقتصاد متنوع، قادر على مواجهة التحديات العالمية، وتحقيق نمو مستدام قائم على الابتكار والتكامل بين القطاعات الحيوية، وفي مقدمتها القطاع العقاري الذي يتصدر مشاهد التحوّل الاقتصادي.
ولعل العقار… بوصفه نواة للنشاط الاقتصادي غير النفطي، فزيادة الاستثمارات المخصّصة للإسكان وتطوير الأراضي والبنى التحتية الحضرية تسهم في رفع مساهمة القطاع في الناتج المحلي، ودفع عجلة التنمية في المدن الكبرى والواعدة، التي تتجمل بالمبادرات الحكومية خططاً لتوسيع نطاق التطوير العمراني، وتحفيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وتطوير الأنظمة التنظيمية التي ترفع من كفاءة السوق العقاري.. وغيرها من البرامج الكبرى في خلق بيئة عقارية أكثر جاذبية واستدامة، بل يُسهم القطاع العقاري في رفع الناتج المحلي الإجمالي عبر أبرز ثلاث مسارات: (تنشيط قطاعات مرتبطة مثل الإنشاءات، مواد البناء، الخدمات الهندسية والمالية، وخلق فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، خصوصاً للشباب، وتعزيز جاذبية المدن السعودية للاستثمارات المحلية والأجنبية).
إذاً بات أثر القطاع العقاري السعودي على السوق العالمي واضحاً، يعزز النمو العقاري الحالي لموقع المملكة كمحور استثماري جاذب بفضل المشاريع الكبرى، لترسيخ مكانتها كمركز مالي وعقاري إقليمي يربط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، ولتحقيق الاستدامة يلعب التقييم العقاري الدقيق دوراً أساسياً في رفع مستوى الشفافية في السوق، وإبراز القيمة الحقيقية للأصول، مما يقلل المخاطر ويعزز الثقة المحلية والدولية، ويسهم في تحسين جودة القرارات الاستثمارية
إن ميزانية السعودية بما تحمله من طموحات توسعية محسوبة، تؤكد إدراك الدولة لأهمية دمج القطاع العقاري ضمن محركات النمو المستدام. كركيزة إستراتيجية تسهم في تعزيز الناتج المحلي، وتنويع مصادر الدخل، وإعادة رسم الخريطة الاستثمارية للمملكة على المستوى العالمي. ومن خلال مدى التقييم العقاري الدقيق، والتخطيط الحضري المتطور، واستمرار الاستثمار في المدن ومشاريع البنية التحتية، ستنجح السعودية في توسيع مدى تأثيرها الاقتصادي، وتحقيق مكانة عالمية متقدمة ترتكز على رؤية اقتصادية حيوية وواعدة.
***
- عمار الزغيبي