الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
قال تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} سورة الزمر آية (30)
فقد ودعت أسرة البداح شيخا من شيوخها وعلماً من أعلامها وعميداً وركنا من أركانها
فضيلة الشيخ القاضي: محمد بن ردن بن محمد الراشد البداح يوم الأربعاء الموافق 7-5-1447هـ - 29-10-2025م، والذي شهد له الجميع بالذكر الطيب والاثر المبارك والنفع المتعدي والسيرة العطرة والمنهج السليم ومحبة العلم وأهله وتوقيرهم وملازمتهم والسعي في حوائج الناس وسد حاجة المحتاج من أرامل وكبار سن فكان يتحرى أمثال هؤلاء ويسأل عنهم ويتابع امورهم ويشفع لمن لديه حاجة منهم.
قال تعالى في فضل العلم وأهله: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} المجادلة آية (11) وقال تعالى : {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} الرعد اية (41).
كان الشيخ رحمه الله محباً للمساجد مساهماً في عمارتها طويل المكث فيها يتهيأ للمساجد بأجمل لباس وازكى رائحة محباً للخير داعيا له معظما لشعائر الدين فهو قدوة في ذلك.
تولى القضاء في الدلم عام 1381هـ ثم المجمعة عام 1391هـ ثم الرياض حتى التقاعد فكان يبذل جهده وطاقته في السعي بهذه المهمة الكبيرة بإنهاء القضايا، ويحرص على الصلح ولم الشمل مما أكسبه محبة وثقة أهل البلد فكان كالأب الناصح لهم، يعطي كل ذي حق حقه يقدر الكبير ويوجه من يحتاج التوجيه ويقسو أحيانا.
كما قال الشاعر:
فقسى ليزدجروا ومن يك حازما
فليقس أحيانا على من يرحم
وبالرغم من طول السنين لم ينسه أهل الدلم والمجمعة من السؤال والاتصال والزيارة وهو رحمه الله يبادلهم نفس الشعور فعلاقاتهم استمرت لم تنقطع يقدرونه تقديرا يستحقه؛ لما له في قلوبهم من مكانة كبيرة.
أما عمله في القضاء في الرياض، فقد نال ثقة كبيرة لدى ولاة الأمر جزاهم الله خير الجزاء وله منزلة خاصة لديهم رحم الله من مات وبارك فيمن بقي.
فإذا قيل ابن ردن مباشرة ينصرف الذهن لفضيلة الشيخ محمد - رحمه الله- ارتبط هذا الاسم بالقضاء والقوة والحكمة والرأي السديد.
أما على صعيد علاقته بأقاربه وذوي رحمه، فالحديث يطول لا ينقضي فهو واصل كريم باذل.
ففي أي مناسبة الشيخ محمد رحمه الله في مقدمة الحضور حتى بعد كبر سنه يحضر مناسبات، سواء في الرياض أو الزلفي يتكبد عناء السفر ويحضر ويسعد ويفرح لحضوره الجميع لما له من مكانة كبيرة لدي الجميع.
يحضر اجتماع الأقارب من الأعمام والعمات وأبنائهم ويولي هذه المناسبات اهتماما كبيرا واستعدادا خاصا، سواء في الرياض أو الزلفي أو الطائف.
يسأل عن الجميع ويكثر السؤال عن كبير السن بأبوة حانية ولطف كبير، إذا سلمنا سأل عن الجميع من الأقارب ويخص جدي والد أمي عثمان بن محمد الضويحي - رحمهم الله وجمعهم بالفردوس- بمزيد سؤال، وكان يزوره بالزلفي وبينهم ود ومحبة وتقدير كبير، وكان يوصينا بنقل السلام بل كان يقول كلما رأيتم أبو سليمان انقلوا سلامي له، وبعد وفاة جدي رحمه الله يسأل عن أخوالي، ولم ينقطع السؤال أبدا والتواصل المتبادل، وهذا نموذج من نماذج الوفاء التي لا يمكن حصرها.
وفي مرض الوالد سلمان بن ردن البداح، رحمه الله ورفع درجته، والذي توفي بتاريخ 13-11-1442هـ يتصل ويتابع ويطمئن ويوجه أولا بأول، وبعد وفاته تكدر وتأثر واستمر بالسؤال والدعاء ولا يستغرب ذلك أبدا، فهذا غيض من فيض ومشاعر سريعة، وإلا يطول الحديث.
فما أن علم الناس بوفاة الشيخ العم محمد رحمه الله إلا وبدأوا يتوافدون للصلاة عليه في جامع المهيني بالرياض والتعزية والتشييع في مقبرة شمال الرياض والدعوات والألسن تلهج بالدعاء له بالرحمة والمغفرة وذكر مآثره ومواقفه داعين الله ان يجعل قبره روضة من رياض الجنة، ووالدينا ووالديهم والمسلمين أجمعين، وكذلك الحضور الكبير لمنزل الفقيد في حي المحمدية بالرياض من مختلف فئات المجتمع من أمراء وعلماء ومعارف وأقارب وجيران قدامى وجدد.. ومن أهل الدلم والمجمعة والزلفي والجميع يقول (كلنا نعزى فيه)، نحسبه ولا نزكي على الله أحد صابرا شاكرا برا كريما، وعزاؤنا أنه قدم لرب كريم.
قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} الزمر آية: (10).
وكما في حديث أنس بالبخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل قال إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته فيهما الجنة).
والأمل بالله كبير أن يعمل أبناؤه البررة الأوفياء الكرام، أبناء العم بجمع سيرته ومواقفه بشكل أوسع وأشمل، ففيها من النفع و الفائدة الكثير ليقتدي الأجيال بهذه النماذج ويحذوا حذوهم
وكما قال الشاعر:
فتشبهوا ان لم تكونوا مثلهم
ان التشبه بالكرام فلاح...
فسيرته مليئة بالعلم والنصح والصبر والثبات وبذل الندى وكف الاذى والصلة والنفع،
أسال الله الكريم أن يجمعه ووالديه ووالديهم وأحبابه وقرابته وزوجته الكريمة الوفية أم عبدالرحمن والمسلمين بالفردوس الأعلى، وأن يبارك في عقبه وذريته ويزيدهم توفيقا ويعوضنا خيرا، و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
***
- محمد بن سلمان بن ردن البداح