منيرة أحمد الغامدي
كثيرًا ما يتساءل الإنسان أمام مشاهد الحياة اليومية كيف ولماذا ينجو الأشرار؟ وكأنهم ينجون بسهولة بينما يتعثر أصحاب النوايا الطيبة في الطريق نفسه؟ ولماذا تتكرر صور النجاة الزائفة لمن يتجاوزون الأخلاق دون تردّد بينما يطول الطريق على من يحملون ضميرًا يقظًا؟.
الشرير غالبا لا يتوقف عند الأسئلة الأخلاقية ولا يعيش الصراع الداخلي الذي يرهق أصحاب الضمير بل يمرّ سريعًا لأن الداخل عنده أجوف وفارغ من اليقين بالعدالة ولو بعد حين.
وفي مجتمعات وبيئات تتفاوت فيها قوة الأنظمة وعدالتها الرقابية قد تمنح بعض المواقع فرصًا مؤقتة لمن يجيدون الواجهات أكثر من الجوهر والصوت المرتفع أكثر من العمل الفعلي.
ومع الزمن تتغير الأولويات وتنكشف الطبقات التي غطت الحقائق ويبرز الفارق بين نجاح حقيقي بُني على أساس وصعودٍ برّاق لا يملك عمقًا يستند إليه. الأشرار يربحون سرعة الانطلاق ربما لكن الخير يربح المسافة. هم ينجحون في السباقات القصيرة لأنهم لا يتوقفون أمام المرآة الأخلاقية ولا يتساءلون عن أثر أفعالهم، بينما يسير أصحاب القيم ببطء، لكنهم يبنون قدرة داخلية لا تُهزم تمامًا كما يفعل تمرين التحمل الذي لا يمنح صاحبه لمعانًا سريعًا لكنه يمنحه قوة تبقى. وفي نهاية الطريق لا يملك الشرير إلا تعبًا متراكمًا من الهروب ولا يملك صاحب القيم إلا صلابة تنمو مع كل خطوة.
نحن غالبا نرى النجاح الظاهر للشرير لأننا نراقب لقطات مبتورة من الفيلم الكامل ونرى الصعود اللحظي ولا نرى الخلفية الحقيقية، ونرى القوة المصطنعة والغلبة المؤقتة فقط. أما في داخل هذا المشهد فتعمل عدالة أخرى لا نراها دائمًا وهي عدالة الزمن الخفيّة.
كل فعل مؤذٍ يترك ندبة داخلية، وكل تجاوز أخلاقي يراكم تشوّهًا روحيًا لا يراه الناس لكنه ينهش صاحبه.
المعارك التي يهرب منها الشرير لا تختفي إنها تتحوّل إلى قلقٍ دائم وخوفٍ متكرّر ورعب وهلع يحدث فجوة روحية تتسع مع الأيام مهما بدا قويًا من الخارج.
إنها العدالة التي تقع في الداخل قبل أن تظهر على سطح الحياة. وقد يبدو أن الشرير ينجو لكنه لا ينجح لأن النجاة حركة دفاعية بينما النجاح بناء طويل يحتاج إلى قيمة وثبات وإرث ومسافة تمتد لأبعد من اللحظة. ما يبدو نجاة ليس إلا هروبًا متواصلًا لا يصنع أثرًا ولا يخلّف ذكرى ولا يصنع احترامًا.
ولأن الطريق الأخلاقي ليس سهلاً فإن الصبر الذي يتطلبه يحتاج قوة استراتيجية نادرة. إنه القدرة على حمل الضمير في وجه الواقعية القاسية وعلى البقاء في مسار شريف حتى لو بدا أطول، وهو المسار الوحيد الذي يؤدي في النهاية إلى نتيجة تستحق الوصول إليها. النجاة الحقيقية ليست حدثا عابرا بل منظومة قيم تختبر على امتداد العمر.
والخير على خلاف الشر لا يعمل تحت الأضواء بل يبني في الظل ويصنع أثره بصمت ولا يدرك صاحبه حجم تأثيره إلا بعد سنوات.
وحين تنتهي المشاهد السريعة، يتبين للناس من كان يزيّن السطح، ومن كان يبني الأعماق ويحدث الاثر، وفي نهاية الطريق يبقى دائمًا من يستحق البقاء، ويبقى من سار على قيمه لا من تجاوزها ويبقى من حمل ضميره كرفيق لا من تخلّى عنه ليستعجل الوصول.
النهاية لا تكافئ المظهر بل تكافئ الجوهر والشر قد يربح لحظة أو جولة لكنه لا يربح الحياة أو المعركة. أما الخير حتى لو جاء متأخرا فإنه يأتي ثابتًا وعميقًا ومحفوظًا في ذاكرة الناس وفي مسار الزمن ويمنح صاحبه السلام الذي لا يمنحه أي انتصار زائف.