د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
ميزانية 2026 تؤكد مواصلة الإنفاق الاستراتيجي على مشاريع رؤية 2030، وبعد إقرار الميزانية أكد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن الميزانية تؤكد أن مصلحة المواطن في صدارة أولويات الحكومة، وتعتز بنهجها الراسخ في الاستثمار في قدرات أبنائها وبناتها من أجل المشاركة في تحقيق رؤية المملكة الشاملة، والريادة في مختلف المجالات.
ما تحقق منذ انطلاق الرؤية نمو الأنشطة غير النفطية وتطوير بيئة الأعمال التي عززت دور القطاع الخاص الذي أصبح شريكاً فاعلاً في التنمية، هذا التحول الهيكلي ساهم في احتواء التضخم عند مستويات أدنى من نظيراتها العالمية، مما رسخ من مكانة السعودية كمركز اقتصادي واستثماري عالمي، خصوصاً بعدما نجحت في التصدي للمخاطر الناجمة عن التغيرات الجيوسياسية والحد من آثارها الاقتصادية والاجتماعية، مما يثبت قوة ومتانة الاقتصاد السعودي، باعتراف صندوق النقد الدولي الذي أكد متانة وقوة الاقتصاد السعودي والمالي، وأن اقتصادها أظهر قدرة على الصمود بقوة في مواجهة الصدمات العالمية والجيوسياسية، وهو ما جعلها مركزاً عالمياً يستقطب مختلف النشاطات، ولعل اختيار أكثر من 660 شركة عالمية السعودية مقراً إقليمياً لها وهو أكثر مما كان مستهدفاً لعام 2030 يجسد ما تحقق في البنية التحتية ومستوى الخدمات التقنية، مما يؤكد متانة الاقتصاد السعودي وآفاقه المستقبلية الرحبة.
تعتبر ميزانية عام 2026 بداية المرحلة الثالثة من رؤية 2030 التي تركز على تكثيف الجهود إضافة إلى تسريع وتيرة الإنجاز بما يضمن تحقيق تنويع مصادر الدخل، بالتوازي مع زيادة الإنفاق الاستراتيجي لدعم المشاريع الكبرى والممكنات الاقتصادية، مع توقع بزيادة الإيرادات الإجمالية مدعومة بالزخم القوي للأنشطة غير النفطية، وتوقعت إيرادات لعام 2026 بنحو 1147 مليار ريال بزيادة متوقعة عن 2025 بنسبة 5.2 % نتيجة مباشرة لنجاح مبادرات تنويع الإيرادات غير النفطية التي أصبحت تشكل رافداً أساسياً للميزانية، وإنفاق 1313 تريليون ريال، بعجز 165 مليار ريال.
تشكل الإيرادات غير النفطية نسبة 40 % في 2024 مرتفعة من 27 % في عام 2015 ومن المتوقع أن تقترب من 50 % في عام 2025، حيث كشف سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال افتتاحه أعمال مجلس الشورى في سنته الثانية من الدورة التاسعة أن الأنشطة غير النفطية وللمرة الأولى في تاريخنا حققت 56 % من الناتج المحلي الإجمالي الذي بلغ مستويات تتجاوز 4.5 تريليون ريال، بما يضمن وجود مصدر مستقر ومستدام قابل للنمو بعيداً عن تذبذب إيرادات النفط المرتبطة بتذبذب أسواق النفط العالمية.
تجاوزت السعودية مستهدفات رؤية 2030 وسط ثمرة الإصلاحات الاقتصادية، وأن أكثر من 85 % من مبادرات الرؤية حققت مستهدفاتها أو باتت في المسار الصحيح بنهاية 2025، وتحقيق نحو 93 % من مؤشرات الرؤية، ما يجعلها تدشن في 2026 مرحلة جديدة ترتكز على تعظيم الأثر والاستعداد لما بعد 2030، فيما تعتبر وزارة المالية العجز في الميزانية استراتيجي ومستهدف، يأتي وسط تصميم الدولة على الإنفاق بقوة لدعم النمو، وسيكون العائد الاقتصادي المتوقع من زيادة الإنفاق يفوق بكثير تكلفة العجز والاقتراض الذي تقوم به الدولة لتمويل هذا التوسع.
حقق الاقتصاد غير النفطي نمواً تراكمياً يفوق 30 % منذ 2016 متقدماً على متوسط الاقتصادات المتقدمة التي نمت بنحو 20 % في الفترة ذاتها، وكان هذا التحول خلال السنوات الماضية بالتكلفة الصحيحة وتعظيم الأثر، وهي مرحلة تتطلب رفع جودة التنفيذ، وتسريع الاستفادة من الفرص، وتوسيع دور القطاع الخاص في النمو الاقتصادي، بل شهدت السعودية تحولاً من إنجاز المشاريع سريعاً إلى إنجازها بكفاءة واستدامة وبأعلى عائد اقتصادي.
ارتفعت مشاركة القطاع الخاص إلى مستويات 52 % وستشهد في الفترة المقبلة دوراً أوسع ليس فقط عبر الشركات المرتبطة بالدولة، بل عبر منظومة الأعمال بأكملها، إضافة إلى ارتفاع نسب التوطين في قطاعات حيوية مثل الأدوية من 20 % إلى 35 % والصناعات العسكرية من 2 % إلى 20 % ، وكذلك الدخول في شراكات حقيقية وطويلة المدى من خلال برامج التخصيص والحوافز، بما يضمن استدامة الزخم الاقتصادي ونمو القطاعات الإنتاجية ذات القيمة المضافة الأعلى، حيث أصبحت السعودية ضمن أكبر 12 اقتصاداً عالمياً في مجال الاستدامة، وتمتلك قدرة متنامية على أن تصبح منصة لوجستية وصناعية عالمية.
***
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقاً