د. سطام بن عبدالله آل سعد
حدّد نظام الوساطة العقارية عمولة السعي بنسبة 2.5% ما لم يتفق أطراف عقد الوساطة كتابةً على غير ذلك. لكن مع تغيّر أدوات السوق، وتزايد الإجراءات والاشتراطات التنظيمية، باتت هذه النسبة في كثير من الحالات عبئًا ماليًا يرهق المشتري ولا ينسجم مع الواقع الجديد.
فقد اعتُمِدت هذه النسبة في زمنٍ كانت فيه الوساطة شاقة بوسائل تقليدية ومعلومة نادرة؛ أمّا اليوم فالمعلومة متاحة، والمنصات تختصر الوقت والجهد، ومع ذلك استمرت العمولة تُقتطع بالمنطق نفسه وبنسبة ثابتة. والسؤال: هل ما زالت 2.5% متناسبة مع الجهد الذي يبذله الوسيط العقاري؟ مثال ذلك: شقة بقيمة 1,700,000 ريال ومساحتها 142 م² تجعل السعي 42,500 ريال؛ وهذا رقمٌ يتضخم لأن قيمة السعي ترتبط بقيمة العقار، لا بحجم عمل الوسيط أو مقدار الجهد المبذول.
لا أحد يطالب بإلغاء حق الوسيط؛ فهو عنصرٌ مهم حين يقدّم قيمة حقيقية. لكن الإشكال أن النسبة 2.5% تُعامل كحقّ تلقائي حتى عندما لا تتجاوز الخدمة الإعلان والتواصل وترتيب المعاينة وإنهاء التوقيع. وفي المقابل، بعض الصفقات المعقّدة، كالورثة، والرهن، ونزاعات الملكية، والتعقيدات النظامية، قد تستدعي عمولة أقرب للحد الأعلى لأنها تقلّل المخاطر وتختصر الوقت. لذا فالمطلوب ليس خفضًا عامًا، بل ربط العمولة بدرجة التعقيد والقيمة المضافة.
وعليه، فإن إعادة النظر في عمولة السعي تُعد ضبطًا تسعيريًا يجعل العائد متناسبًا مع القيمة. ومن أنسب الحلول تقسيم العمولة إلى فئتين بحسب مستوى الخدمة: عمولة «أساسية» لخدمة أساسية، وعمولة «متقدمة» لمن يقدم قيمة إضافية واضحة وموثّقة بعقد وبنود قابلة للقياس، وذلك على النحو الآتي:
1- فئة الخدمة الأساسية: 1%-1.5%، وتناسب الحالات التي يكون فيها دور الوسيط «تنسيقًا وإغلاقًا» أكثر من «صناعة صفقة»، وتشمل: عرض العقار وربط البائع بالمشتري، وترتيب المعاينات، ومتابعة التفاوض، وحضور الإفراغ/التوثيق، والتنسيق بين الأطراف.
2- فئة الخدمة المتقدمة: 1.7%-2%، بشرط تحديد الخدمات في عقد واضح وبنود قابلة للقياس؛ وتشمل: تسعيرًا احترافيًا مدعومًا ببيانات ومقارنات، وخطة تسويق متعددة القنوات مع تقارير أداء، وتأهيل المشتري والتحقق من الجدية والقدرة، وتدقيق المستندات والمخاطر (رهن/نزاع/التزامات)، وإدارة تفاوض احترافية وخطة إغلاق، وتوثيق رحلة الصفقة بمحاضر ومراسلات واضحة.
وفي جانبٍ لا يقل أهمية، يجب أن يدفع العمولة الطرف المتعاقد مع الوسيط - بائعًا كان أم مشتريًا - لا وفق أعراف تلزم المشتري حتى لو خالف ذلك العقد. وإذا كان عقد الوساطة واحدًا وموقّعًا من أكثر من طرف في الصفقة (كالبائع والمشتري)، قُسِّمت العمولة بينهم بالتساوي ما لم يتفقوا كتابةً على خلاف ذلك.
في نهاية المطاف، عمولة الوساطة العقارية ليست رقمًا «مقدسًا»؛ إنها سياسة تسعير لخدمة اقتصادية متغيرة. والسوق الذي تغيّرت أدواته، وسلوك عملائه، ومنصاته، وطرق الوصول إلى المعلومة، لا يُعقل أن تُدار منظومته الرقمية بمنطق تسعيرٍ وُلد في زمن الإعلانات الورقية.