رسيني الرسيني
لأن التحولات الطموحة لا تُبنى دفعة واحدة، فقد صممت رؤية 2030 ضمن ثلاث مراحل رئيسية تُشكل بوابة العبور نحو مستقبل اقتصادي أكثر تنوعًا واستدامة، إذ جاءت الرؤية ذاتها كإطار طموح يعيد تشكيل البنية الاقتصادية والاجتماعية من خلال إصلاحات عميقة ورؤى متقدمة تستند إلى استثمار مكامن القوة الوطنية. ومن خلال المرحلة الأولى والثانية، حققت المملكة الأعوام الماضية منجزات نوعية في تحسين كفاءة الاقتصاد، وتمكين القطاع الخاص، وتعزيز دور التقنية، ورفع جودة الحياة، مما وضعها على مسار تنموي أكثر مرونة وقدرة على مواجهة المتغيرات العالمية. فما هي المراحل الثلاث الرئيسية للرؤية وبأي مرحلة نحن الآن؟
جاء تصميم الرؤية وفق ثلاث مراحل تمتد كل منها لخمسة أعوام تقريبًا، بحيث تعتمد كل مرحلة على نجاحات سابقتها، وبما يخلق مسارًا متدرجًا لكنه متين للتحول الاقتصادي. فقد بدأت المرحلة الأولى عام 2016م بإطلاق إصلاحات واسعة في الهياكل الاقتصادية والمالية والاجتماعية، بهدف تمهيد الأرضية لنمو مستدام. ثم جاءت المرحلة الثانية عام 2021م لتعزيز الإنجاز وتسريع تطوير القطاعات الواعدة عبر إستراتيجيات تنموية محددة الأهداف. ومن منظور اقتصادي، يعكس هذا التسلسل قدرة المملكة على الانتقال من مرحلة التأسيس، إلى رفع الكفاءة والإنتاجية، بما يمهّد لمرحلة ثالثة أكثر نضجًا وتنوعًا في مصادر الدخل. واستدامة أثر التحول.
ومع دخول عام 2026م، تتهيأ المملكة لبداية المرحلة الثالثة والأخيرة من رؤية 2030، التي تفرض الحاجة إلى مضاعفة الجهود وتسريع وتيرة الإنجاز لتحقيق الأثر الممتد لما بعد عام 2030. وتمثل هذه المرحلة نقطة تحول نوعية، إذ تستهدف ترسيخ مكتسبات التحول وضمان استدامتها للأجيال القادمة. وتمتاز هذه المرحلة بتركيز أكبر على تعظيم العوائد الاقتصادية للقطاعات المزدهرة، وتوسيع نطاق الابتكار، وبناء اقتصاد رقمي متقدم، إضافة إلى تعزيز قدرات رأس المال البشري. إنها مرحلة الانتقال من «تسريع النمو» إلى «تعميق الأثر» وضمان قدرة الاقتصاد على المنافسة عالميًا.
من منظور اقتصادي شامل، يُتوقع أن تسفر المراحل الثلاث للرؤية عن تحولات جذرية في بنية الاقتصاد السعودي، بدءًا من تعزيز التنويع وتقليص الاعتماد على النفط، وصولًا إلى بناء اقتصاد تنافسي قائم على المعرفة والابتكار. كما ستقود هذه المراحل إلى جذب استثمارات نوعية، وتنمية الصناعات الإستراتيجية، وتوسيع دور الشركات الوطنية في سلاسل القيمة العالمية. وبعد اكتمال المراحل الثلاث، من المتوقع أن يرتفع مستوى الإنتاجية، ويتسارع نمو القطاعات غير النفطية، وتتوطد مكانة المملكة كمركز اقتصادي محوري. ويمثل ذلك ثمرة مسار طويل من الإصلاحات المتدرجة التي أعادت تشكيل مستقبل الاقتصاد الوطني.
حسنًا، ثم ماذا؟
مع تراكم الإنجازات في المرحلتين الأولى والثانية من الرؤية، تتجه المملكة نحو المرحلة الأخيرة بخطى أكثر ازدهارًا لمجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح.