أ.د.عبدالرزاق الصاعدي
1/ تَأْسَاء بمعنى أسوة:
التَّأْساء مصدر بمعنى الأسوة، وهو من المصادر السماعية التي جاءت على وزن تَفْعال، وورد في بعض الشعر، وله قصّة، ذكرها ابن قتيبة في عيون الأخبار، وهي أنّ رجلًا من العرب قتَلَ ابنَ أخيه، فدُفع إلى أخيه ليقتصّ منه فلما أهوى الأخ بالسيف أُرعدت يداه، فألقى السيف من يده وعفا عنه، وقال:
أقولُ للنّفسِ تَأْساءً وتَعْزِيةً
إحدى يَدَيَّ أصابتني ولم تُرِدِ
والبيت للعريان بن سهلة النبهاني، وهو من شعر الحماسة، قال التبريزي في شرحه: «التأساء هي الأسوة وما يؤتسى به من الحزن والتعزية حسن الصَّبْر وقوله إحدى يَدَيّ أصابتني على المثل والمجَاز يُرِيد إنّي أُناجي نَفسِي بهذا القول لأجل السلوة وحسن الصَّبْر».
ولم يرد المصدر (تِأْسَاء) في المعاجم، وورد البيت في تاج العروس في مادة (عزو) شاهدا لكلمة التعزية، ولم ينتبه الزبيدي صاحب التاج أن فيه شاهدًا آخر لكلمة تأساء. فليستدرك.
2/ دَوى الصوتُ يَدوي دويًّا:
لم تذكر معاجمنا القديمة الفعل الثلاثي دَوَي يدوي، واقتصرت على مصدره، وهو الدَّوِيّ: الصوت القوي، ومنه دويّ الرعد، ودويّ الريح، قال الأزهري في التهذيب: «قَدْ دَوَّى الصوتُ يُدَوِّي تَدْوِيَةً. ودَوِيُّ الريحِ: حَفِيفُها، وَكَذَلِكَ دَوِيُّ النَّحْلِ»، وذكرت المعاجم المضعّف منه: دَوّى يُدوّي تدوية، وقد جاء في العين والتهذيب واللسان والقاموس الفيروزي: «دوَّى الصوتُ يُدَوِّي تَدْوِيَةً» فذكروا مصدرين الدَّوِيّ والتَّدوية، وذكروا فعلًا واحدًا هو دَوَّى، وهو فعل التدوية، ولم يذكروا فعل الدويّ وهو دَوَى، وله شاهد قديم أشار إليه عباس أبو السعود في قوله: «خلت المعاجم اللغوية من الفعل الثلاثي دَوَى يدوي دويًّا، ولهذا أنكره بعض المتعلّمين، وتحاشوا استعمال دَوَى صوته، وصوت داوٍ، والحق أن ذلك صحيح»، ثم ذكر الشاهد من شعر عنترة، وهو قوله:
طَرَقْتُ ديارَ كِنْدَةَ وهي تَدْوِي
دَوِيَّ الرعدِ منْ ركضِ الجيادِ
وأضاف أبو السعود: «وهناك دليل آخر، هو الفعل المضعّف: دوّى يُدوّي تدوية، لأن التضعيف إنما يؤتى به للمبالغة وإفادة التكثير في الثلاثي، فإذا سمعت صوتًا ضعيفًا قلت دَوَى يَدْوي دوِيًّا، فهو داوٍ، وإذا سمعت صوتًا شديدًا كالرعد أو متواصلًا قلت: دوّى يُدوّي تدوية فهو مُدوٍّ، ولكل منهما وظيفة يدركها من يراعي الدقة في التعبير، ويلاحظ الفوارق الفنية، وقد يحل أحدهما مجازًا محل الآخر، كما في بيت عنترة السابق».