خالد محمد الدوس
وُلد عالِم الاجتماع الإنجليزي «مارك أبرامز» في شمال العاصمة البريطانية لندن عام 1906م وقد عاش في أسرية غنية حيث كان والده تاجراً ووكيل عقارات، وبعد انتهائه من التعليم العام التحق بالتعليم الجامعي، واصل تعليمه العالي وعلى وجه التحديد في كلية لندن للاقتصاد ونال شهادة الدكتوراه عام 1929 تحت إشراف المؤرخ العالم الاقتصادي آر إتش توني، ويعتبر (أبرامز) أحد الرواد المؤسسين لأبحاث السوق والدراسات الاجتماعية التطبيقية، تمحورت مساهمته حول المنهج الإحصائي العلمي لدراسة المجتمع والسلوك الاستهلاكي بعد أن قام بتفكيك الظواهر الاجتماعية الكبرى مثل «ظهور ثقافة الشباب، وآثار الشيخوخة السكانية وغيرها» إلى بيانات قابلة للقياس والتحليل ثم أعاد تركيبها في صورة تقارير استخدمها صناع القرار في القطاعين العام والخاص، وبالتالي كان بمنزلة «رادار» للمجتمع البريطاني في مرحلة تحوله من مجتمع ما بعد الحرب إلى مجتمع الاستهلاك الحديث وكانت بعض بحوثه تعرضت للانتقاد في النهاية..!! ولكنها شكلت خدمةَ للحكومات في المملكة المتحدة، والشركات الكبرى والأحزاب السياسية مما ساعد هذه النخب على فهم الجماهير والتأثير فيها بشكل أكثر فعالية.
لذا كان يعد رائداً في تطوير مجموعة من مناهج البحث والمسوحات الاجتماعية في المملكة المتحدة وخلال مسيرته المهنية والعلمية التي امتدت قرابة نصف قرن من الزمن أصبح أصغر مدير على الإطلاق لبورصة لندن للصحافة (LPE) وفي الحرب العالمية الثانية في الأربعينيات القرن الفائت أعير إلى هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) لرئاسة وحدة خاصة تعني بالترجمة وتقديم الاستشارات بشأن الدعاية الألمانية في عهد الزعيم النازي هتلر، وفي عام 1946 أسس شركة خدمات الأبحاث المحدودة (RSL) كجهة مستقلة داخل بورصة لندن للصحافة تجري مسوحات مهنية اجتماعية لكبار العملاء.. مطلقا عدداً من المسوحات الرئيسية المنتظمة ومبتكراً مصطلح «المستهلك المراهق»..!، وفي أوائل السبعينيات الميلادية من القرن الفائت دعي عالم الاجتماع (أبرامز) لإنشاء وحدة المسح الاجتماعية تابعة لمركز أبحاث العلوم الجديدة في كلية لندن ليصبح مديراً متخصصاً لإجراء مسوحات للمجلس وتقديم الاستشارات المهنية والاجتماعية المساعدة في أساليب المسح للأكاديميين في عدد من الجامعات البريطانية، وبعد سنوات من العمل في مجالات المسموحات والأبحاث الاجتماعية والإعلامية وتحديداً عام 1976 غادر الخبير في مجال المسح الاجتماعي هذا المركز وبالتالي لم يأتِ من يسد الفراغ الذي تركه هذا العالم في إدارة مجلس أبحاث العلوم الاجتماعية بشكل أكثر فعالية، وتم إغلاق المركز بعد سنوات من الإنتاج والعطاء والإثراء..!!
ثم واصل د. مارك أبرامز المشاركة بنشاط أكاديمي في البحث الاجتماعي وأصبح مديراً للأبحاث في Age Concern وأيضاً ممتحناً خارجياً لمسار البحث الاجتماعي والتخطيط الاجتماعي لبرنامج البكالوريوس في الدراسات الاجتماعية التطبيقية الجديدة في بوليتكنيك - شمال لندن وهو جزء من جامعة لندن متروبوليتان، وكان هذا المسار العلمي الذي صممه مارك أبرامز وترأسه العالم جون هول هو أول درجة جامعية وحيدة في البحث الاجتماعي في المملكة المتحدة، مما سد بوعي الفجوات التي جددها هذا العالم البارع في تدريب أساليب البحث الاجتماعي (أكاديمياً).
وتقديراً لإسهاماته العلمية في عام 1386م تم تخصيص جائزة تعرف باسمه سنوياً من قبل جمعية البحوث الاجتماعية لأفضل عمل يربط بين أبحاث المسح والنظرية الاجتماعية والسياسية، كما قامت كلية البوليتكنيك بتكريم أبرامز بمنحة زمالة فخرية (وهي المؤسسة الأكاديمية البريطانية الوحيدة التي كرمته بهذه الطريقة تقديراً لخدماته وإسهاماته البارزة في مجال العلوم الاجتماعية. لأنه لم يكن عالم اجتماع نظري تقليدي بل كان (عالم اجتماع تطبيقي) ورائداً في أبحاث السوق بعد أن شكلت منهجيته القائمة على المسوح الإحصائية فهم بريطانيا للمجتمع الاستهلاكي، والتغير الثقافي، والتواصل السياسي. ولاسيما قدرته على تشكيل الخطاب العام حيث ساعدت مفاهيم أطلقها أبرامز مثل «المستهلك المراهق» و»مجتمع الرفاه» في تشكيل الطريقة التي يناقش بها السياسيون والإعلام والمثقفون.. (التغير الاجتماعي) في المجتمع البريطاني. بعد أن تميز بكونه جسراً بين النظرية والتطبيق في البحوث الاجتماعية والاقتصادية والإعلامية.
وقد ترك (أيقونة) البحوث الاجتماعية مارك أبرامز العديد من المؤلفات الثرية في مكتبة العلوم الاجتماعية وأبرزها: كتاب «المال والحضارة المتغيرة» عام 1934، وكتاب «سكان بريطانيا العظمى» عام1945، وكتاب «المسوح الاجتماعية والعمل الاجتماعي» عام 1951، وكتاب «المستهلك المراهق» عام 1959، وكتاب «العمل، التحضر، وعدم المساواة» عام 1973, وغيرها من المؤلفات الغنية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والإعلامية.
توفي رائد «علم الاجتماع التطبيقي» العالم مارك أبرامز عام 1994 عن عمر يناهز 88 عاماً، الذي اعتبره البريطانيون الأب المؤسس للبحوث الاجتماعية والسوقية ودراسة سلوك المستهلك في المملكة المتحدة.