وفاء سعيد الأحمري
مع نهاية هذا العام 2025 واقترابنا من رؤيتنا 2030 أتذكر كيف كنا نرى هذا الرقم يومًا ما بعيدًا، كبيرًا، كأنه محطة لا نصلها إلا في الحلم. واليوم لم يبقَ بيننا وبينها إلا سنوات قليلة. رؤية حملناها طويلاً في قلوبنا، ونسجنا بها أحلامنا وهويتنا، نراها تقترب، بينما نحن أيضًا نكبر عامًا بعد عام، ونضجًا بعد نضج، وتتغير أهدافنا وطموحنا سنة بعد سنة لنواكب رؤية المستقبل ورؤيتنا ونواكب توجه العالم كذلك.
في منتصف هذه الـ(الهواجيس) يأتي ديسمبر دائمًا مغمورًا بشاعريته المعتادة. سواء كان برد الأجواء في السعودية أو دفء الأضواء الأوروبية في أجواء الكريسمس والثلوج، عادةً ديسمبر يملك سحرًا خاصًا؛ شهرٌ هادئ، جميل، كأنه يربت على كتف السنة ويهمس لها بالوداع. شهر يشعرنا أننا نودّ معه أهدافًا تحققت، وأخرى شقّت طريقها نحو السنة القادمة، وليس أهدافًا فقط، بل قصص وتجارب وأشخاص.
شهر مشاعره مختلطة نوعًا ما بين التفكر والتأمل والفرح والحزن والحماس للقادم، مع توتر وقلق عمّا يحمله القادم أيضًا.
مشاعرنا مبعثرة بين أحداث وذكريات وقصص هذا العام، وبين سؤال واحد يتكرر كلما رفعنا أعيننا نحو القادم: ماذا بعد؟
هنا أقول: ماذا بعد 2025؟ أو بماذا ستأتي 2026؟ تساؤلات ربما تطرأ عليكم أعزائي القراء.
نحمل أمنيات جديدة، وننتظر برفق السنة المقبلة، ونسألها عن أسرارها، عن المهام التي سننهيها، وعن الأجندة التي طالت صفحاتها. ومثل مرآة صادقة، تعيد لنا برامج مثل (سناب شات) لحظات ديسمبر الماضية، فنبتسم مرة... ونتحسر مرات:
لماذا لم نَعِش تلك اللحظات كما ينبغي؟
لماذا نتركها تمر، ثم نشتاق إليها حين تعود كذكرى؟
لماذا لم نحضن تفاصيلها وهي حيّة؟
وفي خضم هذه الأسئلة وصلني فيديو ساخر يجمع ثلاث جمل تبدو متناقضة:
خير البر عاجله... خير الأمور أوسطها... وكل تأخيرة فيها خيرة.
ويظهر فيها أحدهم متسائلًا بسخرية: «أي قاعدة نتبع؟ ما عرفنا لكم».
قرأت العبارات فلم أرَ فيها سخرية، بل رأيتها مفتاحًا بسيطًا لحكمة عميقة. نحن فعلًا بحاجة لهذه التناقضات الصغيرة التي تشبه حياتنا. نحتاج أن نؤمن بأن ما تأخر... خيرةٌ سيأتي في وقته، وبأن ما لم يحدث اليوم سيحدث في لحظته المكتوبة. ونحتاج حين تزدحم المهام والخيارات والقرارات أن نتكئ على الوسط المتزن، حيث لا ضرر ولا ضرار.
وفي المقابل، هناك لحظات مصيرية لا تحتمل الانتظار، تنتظر منا شجاعة العاجل... وخير البر عاجله.
ثلاث جمل فقط، لكنها تشبه معادلة تعيد اتزان الحياة. أردت أن أقول: إن هذا العصر السريع المكدّس بالمهام يدعونا لأن نرفق بأنفسنا، وأن نؤمن بأن التأخيرات ليست دائمًا خسائر... بعضها هدايا مؤجلة. وبعض القرارات تحتاج استعجال القرار، وبعضها يحتاج حكمة التريّث.
وصلني هذا الفيديو عند نهاية العام، وأحببت أن أجعله منهجية للعام القادم.
هذا الشهر له وقع مختلف، خاصة وهو يتزامن مع عيد ميلادي؛ فتلتقي فيه نهايات كثيرة: نهاية عام ميلادي، نهاية عام كامل، وبداية عمر جديد، ونوايا محققـــة وأخـــرى كُتبت، وأهداف تنتظر اكتمالها بإذن الله.
وأتمنى للجميع عامًا جديدًا يحمل من الرضا بقدر ما يحمل من السعادة، ومن الطمأنينة بقدر ما يحمل من الأمل.