د.زين العابدين كوكانتشيري
كان سلاحاً المهاتما غاندي الفتّاكين هما «الحقيقة» و»اللاعنف». ويمكن تعريف «اللاعنف» لغوياً بأنه التخلي عن الرغبة في إيذاء الآخرين أو قتلهم. وما تنفذه إسرائيل في غزة اليوم هو تجليات متعددة للعنف كما عرّفه غاندي، ومنها: الكلمات الجارحة، والتعبيرات القاسية، والغضب، والكراهية، والحقد، والوحشية، والافتراء، والاضطهاد، والقمع، والهيمنة.
قبل ثلاثة أرباع القرن، نصح غاندي زعماء يهوداً قدموا إليه طالبين دعم فكرة الدولة اليهودية، بأن السبيل الصحيح لحل الصراع العربي الإسرائيلي هو «اللاعنف».
وعندما عاش المهاتما غاندي في جنوب إفريقيا، كانت له روابط صداقة قوية مع العديد من الأصدقاء اليهود. ومن أبرز اليهود المقربين منه: هيرمان كالينباخ، والروسية سونيا شلزين، والإنجليزي هـ.ج.هـ. بولاك. وقد أدرك غاندي عمق المعاناة التي عانى منها اليهود باسم الدين، بما في الهولوكوست، من خلال أصدقائه اليهود. في ثلاثينيات القرن الماضي، طرح الحركة الصهيونية مطالبها بإقامة دولة يهودية في فلسطين. في ذلك الوقت، كان غاندي الزعيم العالمي الأكثر شهرة، وكان العالم يصغي إلى آرائه. على الرغم من أن يهوداً مثل الدكتور إيمانويل أولسفانجر وهيرمان كالينباخ زاروا الهند في محاولة للتأثير على رأي غاندي لصالح مشروع إسرائيل، إلا أن صداقاته لم تشكل عائقاً أمامه في التعبير عن مواقفه تجاه قضية فلسطين العربية.
ففي العشرين من نوفمبر 1938، كتب غاندي في صحيفة «هاريجان»: «فلسطين للعرب كما أن إنجلترا للإنجليز وفرنسا للفرنسيين». وكان غاندي مستعداً أيضاً لأن يعلن أن «تحويل اليهود لفلسطين جزئياً أو كلياً إلى وطن قومي لهم بإزالة العرب، هو جريمة ضد الإنسانية».
وقد استند رفضه لإقامة دولة صهيونية في فلسطين على قناعتين رئيستين:
أولاً: أن فلسطين كانت موطناً للفلسطينيين العرب. وأن الهجرة اليهودية التي مكنتها بريطانيا بشكل فعال كانت عنيفة في جوهرها. وتنبأ بأن عمل اليهود للعودة إلى فلسطين لا يمكن أن يتم بمساعدة الحربة أو القنبلة. وكان غاندي يعتقد أن اليهود يمكنهم فقط الاستقرار في فلسطين من خلال التعايش مع العرب. وحذر من أن هذا لن يكون ممكناً إلا إذا تخلى اليهود عن الحربة البريطانية.
ثانياً: أدرك غاندي، مثل كثيرين في زمانه، أن فكرة إنشاء وطن قومي لليهود (إسرائيل) لضمان حقوق متساوية وحياة أفضل لليهود في مختلف أنحاء العالم تنطوي على تناقض. وبعبارة أخرى، إن التركيز على إنشاء دولة يهودية سوف يحول الانتباه عن الجهود الرامية إلى تحسين الحقوق وظروف المعيشة الحالية لليهود. وأوصى غاندي اليهود بأن يعتبروا، شأنهم شأن بقية شعوب الأرض، البلدان التي ولدوا ونشأوا فيها وعثروا فيها على سبل عيشهم، أوطانهم.
وقد أصدرت منظمة العفو الدولية قائمة بأسماء الشركات المتواطئة في انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي، بما في ذلك الإبادة الجماعية الجارية في غزة. كما رفضت منظمات تطوعية إسرائيلية، مثل «بيت ساليم» و»أطباء من أجل حقوق الإنسان»، نتنياهو مؤخراً. وجاء قرار الولايات المتحدة بإلغاء تأشيرة الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو بسبب حضوره اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك وإلقائه كلمة في فعالية مؤيدة لفلسطين. وسمع العالم أيضاً إعلان رئيس الوزراء الإسباني الصارم بأنه سيؤكد حظر تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، ويمنع السفن التي تنقل الوقود للجيش الإسرائيلي من استخدام الموانئ الإسبانية، وسيحظر على الطائرات المحمّلة معدات دفاعية التحليق في المجال الجوي الإسباني.
عندما كتب غاندي إلى هتلر، ناداه بقوله «صديقي العزيز». من خلال مناداة هتلر، الذي لم يلتقِ به قط، بهذه الطريقة، كان غاندي بذلك يبعث برسالة اللاعنف ومناهضة الحرب فيعطي تأكيداً بذلك درساً في عدم العنف، فما الذي تغير في سياسة الهند؟.
***
- عميد كلية أيديال للآداب والفنون - - كيرالا- الهند