سلمان بن محمد العُمري
مع بداية كل شتاء، تهبط درجات الحرارة وتغدو الليالي أكثر برودة، فيلجأ الناس إلى منازلهم الدافئة، ومعاطفهم الثقيلة، وأغطيتهم الوثيرة، لكن هناك من لا يجد ما يتدفأ به، ولا مأوى يحتمي فيه من لسعة البرد، إنهم الفقراء والمحتاجون الذين يعيشون الشتاء كمعركة يومية مع البرد والجوع والحاجة.
الشتاء قاسٍ على الجميع، لكنه أكثر قسوة على من لا يملكون ما يقيهم شرّه، أطفال ونساء وكبار في السن بلا تدفئة، عائلات بأكملها تحت سقوف بالية لا تصدّ برداً ولا تجلب دفئاً، هؤلاء لا يحتاجون إلى كلمات تعاطف، بل إلى أفعال رحمة.
تفقد الفقراء في هذا الفصل واجب ديني وإنساني، فقد حثّ النبي صلى الله عليه وسلم على إغاثة الملهوف، ومواساة المحتاج، ورغّب في الصدقة، خاصة في أوقات الشدّة، والشتاء من أشدّ الأوقات على الفقراء، فالطعام والتدفئة والملبس تصبح ضرورات لا رفاهيات.
المساعدة لا تقتصر على المال، بل تشمل توفير البطانيات، والملابس الشتوية، والمدافئ، وزيارة الأسر المحتاجة، ودعم الجمعيات الخيرية التي تتولى هذا العمل.
فلننظر حولنا بعين رحيمة، ونسأل أنفسنا: كم من برد نجونا منه بمعطف؟ وكم من ليلة دافئة قضيناها بينما غيرنا يرتجف؟ لنجعل هذا الشتاء مختلفاً.. لنجعل فيه دفئنا سبباً في تخفيف ألم غيرنا، فمن أغاث في الشتاء قلباً محتاجاً، أحيا الله له قلبه يوم يشتد البرد على القلوب.
موسم البرد طرق الأبواب ولدينا في البيوت من الملابس الشتوية مالا نحتاجه، تفقدوا خزائنكم وأخرجوها بنية الصدقة لا التخلص، «أيما مسلم كسا مسلماً ثوباً على عري كساه الله من خضر الجنة..»
الشتاءُ فصلٌ يحمل في طياته برداً قاسياً، قد لا يشعر به من يملك بيتاً دافئاً وملابس ثقيلة، لكنه يمثّل معاناة حقيقية للفقراء والمحتاجين، ممن لا يملكون ما يقيهم البرد أو يسد جوعهم، وهنا تتجلّى أهمية الصدقة، وخصوصاً في هذا الفصل الشديد.
الشتاء اختبارٌ للرحمة والإنسانية
حين تشتد الحاجة وتقل الموارد، يظهر الصادقون في عطائهم، فكم من مسكين ينتظر بطانية، أو معطفًا يدفئ جسده، أو طعاماً يسد رمقه، وكلّ ذلك من أبواب الصدقة التي تُعلي قدر المتصدق وتزيده أجراً.
الصدقةُ تطفئ غضب الرب
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدقة لتطفئ غضب الرب، وتدفع ميتة السوء». فما أعظم أن تكون صدقتك سبباً في رحمة تنزل، أو مصيبة تُرفع، خاصة حين تُقدَّم في وقت الحاجة الملحّة.
الشتاء فرصة عظيمة للأجر، والمؤمن البصير يستغلّ فصول العام لطاعة الله، فكما يكثر الناس الصيام في الصيف، فليكثروا الصدقة في الشتاء، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة».
ختاماً: تفقدوا أحوال الفقراء من حولكم، وكونوا لهم عوناً، فالشتاء باردٌ، لكنه أدفأ بقلوب المحسنين.