نواف بن عبد العزيز آل الشيخ
لو خُيّرت حقيقة في المفاضلة بين من يتّسم بالذكاء الاجتماعي والكاريزما المميزة وبين من يحمل الشهادات العُليا والخبرات العملية، لاخترت دونما تردد بالذكي اجتماعيا صاحب الكاريزما المميزة، حيث إن هذه الخصلة تعتبر فائقة الأهمية بالنظر لما تساهم في تجاوز كثير من الأمور والتحديات، وتذليل العقبات وتساعد في تحقيق الأهداف وتختصر الكثير من الخطوات.
على سبيل المثال، في رحلة البحث عن فرصة العمل، تكون المفاضلة بين المتقدمين مقتصرة غالباً على درجاتهم العلمية وخبراتهم العملية وسنواتهم العمرية، وبلا شك بما يحملونه من كاريزما ومؤهلات شخصية ورؤية وأهداف مستقبلية، إلا أن الاختيار دائما ما يكون لصالح من يحمل الدرجات العلمية والخبرات العملية، على حساب من يتصف بالذكاء الاجتماعي ويتحلى بالكاريزما المميزة، وقد يكون ذلك منطقيا ومفهوما إلى حدٍ ما، وذلك بحسب المتطلبات الموضوعة من قبل أرباب الأعمال، ولكن لاحقا حينما نقارن بين الاثنين نجد أن الكفّة تميل للذكي اجتماعيا صاحب الكاريزما المميزة. وفي الحياة الاجتماعية يكون الذكي اجتماعيا قادراً على التصرف في المناسبات الاجتماعية والتعرف إلى الحالة النفسية للمتحدث، والقدرة على فهم مشاعر وأفكار الآخرين، ويحسن جيداً الانصات.. على سبيل المثال:
القدرة على تذكر الأسماء والوجوه والقدرة على ملاحظة السلوك والتنبؤ به من المظاهر والأدلة البسيطة والمؤشرات الأولية، وهذا ما يسمى بسرعة البديهة، أيضاً القدرة على التعامل مع البيئة المحيطة وفق أحلك الظروف والاستجابة بذكاء في المواقف الاجتماعية، وتجده دائما ما يضع نفسه في مكان الطرف الآخر، ويتكلم بالوقت المناسب، والقدرة أيضاً على التقاط وفهم الإشارات الاجتماعية، مثل تعابير الوجه، ونبرة الصوت، ولغة الجسد وطريقة الجلوس وغيرها، ويساعد في حل المشكلات ويكون دائما حكماً بين المتخاصمين.
إذا ما هو الذكاء الاجتماعي وماهي خصائصه، وهل يكون الذكاء الاجتماعي مكتسباً أم يولد مع الفطرة؟
يُعرّف الذكاء الاجتماعي بأنّه القدرة على التواصل مع الآخرين، وبناء علاقات تسودها المحبّة والاحترام وتقدير الذات، حيث يتشكّل نتيجة فهم الإنسان لنفسه، وقدرته على التحكّم بعواطفه، بالتالي فهو يرتبط جداً بالذكاء العاطفي، اذ يُغطي الذكاء العاطفي عدّة جوانب متعلقة بالوعي العاطفي، وكيفية إدارة الشخص لحياته قبل مشاركة الآخرين بها، بينما ينطلق دور الذكاء الاجتماعي بالتواصل مع الآخرين، حيث يحتاج الشخص لتوظيف مهارات الذكاء الاجتماعيّ؛ كالتعبير، والحوار، والاستماع، والمفاهمة، وغيرها.
ومن خصائص الشخص الذكي اجتماعياً أنه يدرك ما يحيط به، فمن المهم بالنسبة له أن يدرس الموقف ويقرأ الحالات الانفعالية للآخرين قبل التعامل معهم وتوقع ردود أفعال الأشخاص وتعابير الوجه ولغة الجسد قبل التعامل معهم لتحديد مستوى تفاعلهم.
ومن أهم سمات الأشخاص الأذكياء اجتماعياً التعاطف، لأن التعاطف هو التواصل بين الناس ويخلق الروابط بينهم، حيث لا يقتصر التعاطف على الاندماج مع الآخرين فحسب، بل يتعلق بالإيماء للآخرين وإلهامهم للتعاون وجعل الآخرين يشعرون بالاحترام والتقدير.
كذلك من الخصائص الأخرى، حضور العقل والانصات وعدم الانشغال واللهو بأشياء أخرى، حيث تجد دائماً أن الأشخاص الأذكياء اجتماعياً لديهم علاقة وتفاعل جيد مع الآخرين.
أيضاً الوضوح حيث يتميز الأشخاص الأذكياء اجتماعياً بأنهم يسعون دائماً للتعبير عن أنفسهم وأفكارهم ومشاعرهم بوضوح عندما يتعلق الأمر بالتواصل مع الآخرين، فالوضوح هو المفتاح وأساس التواصل الجيد.
دائماً ما يكون السؤال، هل الذكاء الاجتماعي يولد مع الفطرة أم هو من الصفات والخصال المكتسبة وإذا كانت من الصفات المكتسبة فكيف تكون تنميتها وتطويرها؟
مما لا شك فيه أن الذكاء الاجتماعي يولد مع الفطرة، فلو لاحظنا أن من بين الأطفال نجد أن هناك طفلا مميزاً بينهم، يجتمعون حوله، يدعم وينصت ويضحكهم ويساعدهم ويبتكر لهم الحلول، ويستطيع بكل سهولة الدخول في المجموعات بمختلف الفئات العمرية، ذلك الطفل هو نفسه عندما يكبر تكبر معه هذه الخصلة أو الميزة إن جاز التعبير.
ولكن لو أردنا أن نكتسب هذه الصفة والميزة فيجب أن نعمل على عدد من الخطوات والتي سأنقلها لكم من أحد الأبحاث والتقارير المتخصصة في هذا المجال والتي ستساعدنا بلا شك في تنمية وتطوير هذه الخصلة المميزة، ومنها:
1- مراقبة الآخرين والتعلم منهم
من خلال الاستفادة من المهارات الاجتماعية للأشخاص المحيطين به والاهتمام بطريقة تفاعلهم مع الآخرين، وكيفية تواصلهم مع الأشخاص المقربين منه، فإن تدريب الشخص نفسه على التعاطف مع الآخرين ومراعاة مشاعرهم وظروفهم له أثر كبير في تحسين التواصل معهم، ومع مرور الوقت يكون لذلك تأثير إيجابي على الصورة الذاتية للشخص، وهذا ما عليه فعله لتطوير علاقاته مع الآخرين بشكل أفضل.
2- تطوير الذكاء العاطفي
يجب على الإنسان أن ينمي ذكاءه العاطفي لأنه أساس نجاح علاقاته الاجتماعية، ولكي يفهم مشاعر الآخرين عليه أن يحاول فهم مشاعره الداخلية حتى يتمكن من التعامل معها والتحكم في انفعالاته الخارجية وبمجرد أن يتمكن من ترجمة مشاعره الخاصة، سيتمكن تدريجياً من فهم مشاعر الآخرين والتواصل معهم، حيث إن عدم قدرة الشخص على فهم كيفية تفكير الآخرين في سلوكهم يجعل من الصعب عليه تغيير سلوكه بما يتناسب مع المجتمع، لذلك يجب على الإنسان أن يحاول فهم نفسه والعوامل التي تقف وراء سعادته أو حزنه حتى يتمكن من اتخاذ قرارات واضحة بشأن سلوكه تجاه الآخرين ويكسب تقديرهم.
3- الاستماع للآخرين والانصات إليهم
تحتاج مهارات التواصل إلى تنمية، وأهمها القدرة على الاستماع، وذلك من أجل تنمية الذكاء الاجتماعي ولكن يتم ذلك من خلال تجنب مقاطعة الآخرين عندما يتحدثون والاستماع بعناية لفهم وجهة نظرهم، ومن المهم معرفة أن الصمت أثناء حديث الآخرين ومحاولة إعداد رد سريع على كلامهم يتعارض مع الاستماع والانصات، حتى مع كون الشخص على دراية ومعرفة تامة بما يقوله الطرف الآخر ويحاول فهم ما يقوله، ويعني عدم التسرع في الرد وإبداء الرأي، وهو ما يتطور مع مرور الوقت سيكون له تأثير سلبي على عمق العلاقات الاجتماعية.
4- احترام التنوع الثقافي
ينصح الشخص الذي يرغب في تنمية ذكائه الاجتماعي بالتعرف على الثقافات المختلفة والعادات والتقاليد التي تتخللها، والتي يمكن أن تحدد طبيعة التواصل الاجتماعي، واحترام هذه الاختلافات وتعددها، إذ إن لكل إنسان ثقافة وله ثقافة، ولا شك أن الخلفية والقيود التي قد تؤثر على طريقة تواصله مع الآخرين، وإدراك هذه الأمور يزيد من قدرة الشخص على التواصل مع الآخرين.
5- تحسين التواصل غير اللفظي
وراء كل ما يقوله الناس علناً ويعبرون عن أفكارهم، هناك العديد من المشاعر الخفية التي تظهر في الإيماءات وتعبيرات الوجه والتعبيرات الجسدية ونبرة الصوت وهي انعكاس لمشاعرهم الداخلية، إذ يصعب على الإنسان أن يتطور في علاقات صحية مع الآخرين، فإذا لم يتمكن من فهم مشاعرهم تجاهه، فمن المهم تحسين مهارات التواصل غير اللفظي وتفسير سلوك الآخرين لتنمية الذكاء الاجتماعي.
6- كسب احترام الآخرين
يمكن لأي شخص أن يكتسب احترام الآخرين من خلال استخدام مجموعة من السلوكيات التي تشمل التعامل مع الموقف بشكل جيد، والاعتراف بالخطأ عند حدوثه، وتحمل مسؤولية سوء الفهم، وحث الآخرين بعناية على الاتفاق مع الشخص لثقته واحترامه، بالإضافة إلى أن الحوار العميق مع الآخرين، وخاصة من لهم رأي مخالف، ينقذ الإنسان من العديد من المشاكل، فالتعرف على أسباب المشكلة منذ البداية والعمل على حلها وتقبل اللوم وزيادة ثقافة الاعتذار وغيرها. الأشياء، وحالة الشخص.
أخيراً، من المهم بلا شك أن يحرص الإنسان على تنمية قدراته وخبراته والسعي في تحصيله العلمي والحصول على دورات تدريبية في مجاله أو في المجالات الأخرى، ولكن الأهم حقيقة من وجهة نظري أن يكون بالتوازي مع ذلك العمل أن يعمل الإنسان على تطوير وتنمية علاقاته مع الآخرين والتي تبدأ من خلاله.
** **
- كاتب وباحث في الشؤون الاجتماعية