د.شريف بن محمد الأتربي
كثيرا ما نسمع عبارة: فيك من يكتم السر؟ ويكون الرد: سرك في بير. وما يلبث السر أن يخرج من البير كما خرج يوسف عليه السلام، ولكنه بدلا من أن يكون على خزائن الأرض، يكون على ألسن الناس جميعا، بل في بعض الحيان تجد أن أحدهم قد جاءك يسعى وهو متلبس بخفية، ليقول لك: فيك من يكتم السر؟ ويكون ردك: سرك في بير، لتفاجأ أن السر هو سرك أنت الذي خرج من البير.
يعتبر كتمان السر من الأخلاق الإسلامية الرفيعة التي تعكس وعي الفرد بأهمية العلاقات الإنسانية وقيمتها.
فالإسلام يحث على حفظ الأسرار لما لها من أثر كبير في بناء الثقة وتعزيز الروابط الاجتماعية، ولعل من أبلغ ما ورد في القرآن الكريم عن كتمان السر وعدم الإفصاح به، ما أمره به أبوه يعقوب بأن يكتم رؤياه عن إخوته، قال تعالى: [قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ] يوسف: 5.
وقال سبحانه في مؤمن آل فرعون الذي كتم إيمانه: [وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ] غافر: 28.
وفي السنة البوية المطهرة، حذر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من الإفشاء بالأسرار، ومنها الحديث عن إفشاء الأسرار الزوجية: روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن من أشرِّ الناس عند الله منزلةً يوم القيامة الرجلَ يُفضي إلى امرأته وتُفضي إليه، ثم ينشر سرَّها».
لا يقتصر كتمان السر على العلاقات الشخصية فقط، بل يمتد ليكون أساسًا للنجاح في مجالات متعددة مثل الأعمال والسياسة. بالحفاظ على الأسرار المتعلقة بالاستراتيجيات والتوجهات، يُمكن للشركات والأفراد تحقيق مزيد من الإنجازات دون خوف من تسرب المعلومات.
ومن الناحية النفسية، يؤثر كتمان السر إيجابياً على الصحة النفسية للأفراد، حيث يُمكن أن تُؤدي المشاعر السلبية الناتجة عن إفشاء الأسرار إلى القلق والاكتئاب، بينما يساعد كتمان السر على خلق بيئة آمنة يُمكن فيها الأفراد أن يتحدثوا بحرية دون الخوف من العواقب.
إن كتمان السر واحترام خصوصيات الآخرين ليس مجرد واجب ديني؛ بل هو واجب أخلاقي يُعزز من الروابط الاجتماعية ويُساعد في بناء مجتمع صحي ومتماسك.
تشدد التعاليم الإسلامية على أهمية الأمانة، والوعي بدورها في الحفاظ على الثقة بين أفراد المجتمع.