د. سطام بن عبدالله آل سعد
لم يعد السؤال: هل ستُلغي أدوات الذكاء الاصطناعي الشهادات المهنية؟ بل: أيُّ الشهادات ستبقى مفيدة عندما تصبح المعلومات متاحة لكلِّ شخص بضغطة زر؟ فقد كشفت هذه الأدوات أن كثيرًا من الشهادات تكتفي بقياس الحفظ وتكرار الخطوات، بينما سوق العمل يحتاج من يفهم المشكلة، ويختار الأداة المناسبة، ويتحقّق من النتيجة، ويتحمّل مسؤولية قراره.
ما الذي يحدث الآن؟ أولًا، الأعمال الروتينية مثل التلخيص والتنسيق وكتابة التقارير باتت تنجزها الأدوات بسرعة وجودة عالية، فتتراجع قيمة الشهادات المبنية على هذه الأعمال. ثانيًا، وصف الوظائف تغيّر؛ فالمهم ليس «إتقان برنامج»، إنما «تشغيل أدوات الذكاء الاصطناعي بطريقة منظّمة مع شرح النتائج وتتبع أثرها». ثالثًا، الأجور والترقيات تميل لمن يقدّم أثرًا يمكن قياسه، مثل لوحة مؤشرات مرتبطة ببيانات فعلية، وخطة مخاطر مجرَّبة، وسياسة حوكمة تُطبَّق بالفعل.
إنّ قيمة أي شهادة اليوم تعتمد على عاملين بسيطين: هل عملُها قابلٌ للأتمتة؟ وما حجم الضوابط والتنظيم في المجال؟ فإذا كانت الأتمتة عالية والتنظيم ضعيفًا، تتآكل قيمة الشهادة سريعًا، أما إذا كانت الأتمتة عالية والتنظيم قويًا، فلن تختفي الشهادة، لكنها تحتاج شكلًا جديدًا يعتمد على المشاريع والمحاكاة بدل الأسئلة النظرية. وفي المجالات الحساسة والمنظمة، مثل الأمن السيبراني المتقدم، والتدقيق، وحوكمة البيانات والذكاء الاصطناعي، والسلامة والجودة، تبقى الشهادات قوية لأن جوهرها هو التفسير والمسؤولية وإدارة المخاطر.
لذا، إعادة التفكير تبدأ من الامتحان نفسه؛ فبيئات العمل اليوم «مفتوحة الأدوات»، وأي اختبار يمنع أدوات الذكاء الاصطناعي لا يعكس الواقع. لأن الامتحان الفعّال يقيس المسار كاملًا: كيف تُعرِّف المشكلة بدقة، ولماذا تختار أداة بعينها دون غيرها، وكيف تتحقق من النتائج عبر فحوص متقاطعة، ومتى تتوقف أو تغيّر النهج عند تعارض المؤشرات. وفي هذا السياق، يقدّم المشروع الأصيل - مثل كود قابل للمراجعة، أو خطة مخاطر مُختبَرة، أو سياسة حوكمة مُطبَّقة - دليلًا أقوى بكثير من أسئلة الاختيارات المتعددة، لذلك يصبح تحديث المنهج دوريًا خلال 12 شهرًا شرطًا أساسيًا للبقاء والجودة.
وقبل أن تستثمر في أي شهادة، اسأل نفسك خمسة أسئلة سهلة:
هل تسمح الشهادة باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي وتُقيّم طريقة استخدامها؟
هل تتضمن مشروعًا عمليًا أو محاكاة ببيانات حقيقية (وليست مثالية)؟
هل تختبر بوضوح جوانب الخصوصية والانحياز والمسؤولية في استخدام الأدوات؟
هل تُحدَّث مناهجها مرة على الأقل كل سنة لمواكبة الأدوات الجديدة؟
هل تُحدث فرقًا فعليًا في التوظيف أو الترقية في سوقك؟
كل إجابة بـ»نعم» تعني عائدًا أفضل على وقتك ومالك؛ والفكرة ليست إلغاء الشهادات بل تطويرها، فنبتعد عن الامتحانات التي تحرس الذاكرة وتقصي التفكير، ونتجه إلى اعتماد أدلة واضحة تقنع، وبذلك تستعيد الشهادة معناها الحقيقي بوصفها وعدًا بالثقة وأداءً مسؤولًا في عصر يعمل فيه الإنسان جنبًا إلى جنب مع أدوات الذكاء الاصطناعي.