أصبحت التحولات التي يشهدها الاقتصاد السعودي خلال السنوات الأخيرة مؤشراً محورياً لتطور السوق العقارية. فلماذا يتجه العقار السعودي نحو النمو؟، لأنه ببساطة يشهد قفزة غير مسبوقة بفضل رؤية 2030 ومستهدفاتها، عبر المحرِّكات الرئيسة، التي رسمت رؤية استراتيجية لمستقبل العقار في المملكة، لتتحول عبر 2025 تحوّلاً لافتاً من مرحلة «الانتعاش الظرفي» إلى ما يمكن وصفه بـ«النضج التشغيلي»، في قفزة تاريخية في أرباح الشركات المدرجة في تداول، وتحسن البيئة التمويلية، وارتفاع الطلب بدافع توسّع الاقتصاد غير النفطي، وكلها مؤشرات على أن السوق السعودي أصبح أكثر نضجاً واستقراراً، لا عُرضة لتذبّذبات قصيرة المدى.
لقد انتقل أداء الشركات العقارية المدرجة من انتعاش ظرفي إلى نضج تشغيلي، ففي الربع الثالث من 2025، سجّلت شركات العقارات المدرجة قفزة ضخمة في الأرباح، بلغت 496 مليون دولار أي (حوالي 1.86 مليار ريال)، بزيادة 633.6% مقارنة بالربع المماثل من 2024، حيثُ كانت الأرباح نحو 67.5 مليون دولار، مما يعكس انتقالاً من «النمو الورقي» أو التوقعات إلى تحقيق إيرادات تشغيلية حقيقية، ودليل لدخول القطاع مرحلة نضج تشغيلي، فمثلاً على مستوى الأشهر التسعة الأولى من 2025، بلغ إجمالي أرباح الشركات العقارية المدرجة نحو 1.44 مليار دولار (حوالي 5.4 مليار ريال)، مُحققاً نمواً يقارب 244.2% مقارنة بالفترة المماثلة من 2024، بينها 16 شركة عقارية مدرجة، أعلنت 9 شركات عن ارتفاع أرباحها، فيما تحولت 4 شركات من خسارة إلى ربحية في هذا الربع.
وبالفعل فتلك ليست القفزة مجرد فورة مؤقتة، بل علامة دخول السوق مرحلة نضج تشغيلي حقيقي مع شركات أكثر احترافية وكفاءة وربحية، وهو أداء جماعي ومؤسسي يعكس تحوّلًا في نموذج عمل الشركات من الاعتماد على القيمة المكتسبة (أراضي + تطوير + بيع) إلى نموذج إدارة وتشغيل أصول (مولات، مراكز تجارية، مكاتب، عقارات استثمارية) مع عوائد مستقرة ومتكررة، أفرزت ارتفاع جودة المشاريع والتحول إلى نماذج تشغيلية مستدامة، عزّزت ثقة المشترين والمستأجرين، وهو ما انعكس في معدلات إشغال وعوائد إيجارية مرتفعة، كذلك لا ننسى تحسّن البيئة التمويلية واستقرار أسعار الفائدة، جعل بإمكان شركات التطوير تمويل مشاريعها بتكلفة أقل، مما يقلّل الأعباء المالية ويُحسّن هوامش الربح عند تشغيل الأصول، ولعل هذا المناخ المالي الميسّر مهم خصوصاً لشركات كانت تواجه ضغوط ديون، حيث أصبح بإمكانها إعادة هيكلة مديونياتها بكفاءة أعلى.
ومن ناحية الاقتصاد غير النفطي بما يشكّل نحو 56%من الناتج المحلي الإجمالي وتأثيره على سوق العقارات، فقد ساهم في تعزيز الطلب على العقارات بمختلف أنواعها: سكني، تجاري، مكتبي، صناعي، وهو ما يُدعم توسع نشاطات غير نفطية عدة، ما يعني حاجة متزايدة لمساحات مكتبية، صناعية وتجارية، خصوصاً في مدن مثل الرياض التي تشهد تدفق شركات متعددة الجنسيات ومشاريع توسّع. كما أن الارتفاع في الطلب، يدعم تنويع مصادر الدخل لشركات التطوير بعوائد تشغيل طويلة الأجل، وبالتالي هذا التعدّد في الطلب يكون مدفوعًا بتحوّل هيكل اقتصادي نحو قطاعات غير نفطية، يمنح السوق استقراراً أكبر ويخفّف من تقلباته.. وهنا نجد للتقييم العقاري الدور الجوهري في تعزيز شفافية السوق وجذب الاستثمار، لتصبح آليات التقييم العقاري الحديثة (تقييم الأصول، التدفقات النقدية، عوائد الإيجار، جدوى تشغيلية) أكثر أهمية من أي وقت مضى. هذه التقييمات تُمكّن المستثمرين من اتخاذ قرارات مبنيّة على بيانات واقعية، وليس على أسعار أرض أو توقعات تسليم، ولضمان استدامة هذا النمو، يجب استدامة أدوات التنظيم: تقييم عقاري موضوعي، شفافية مالية، حماية حقوق الملاك والمستأجرين، وضبط السوق من المضاربة على أراضي بيضاء أو عقارات دون جدوى تشغيلية.
إن القفزة الكبيرة بنهاية 2025، إشارة قوية إلى دخول القطاع مرحلة نضج تشغيلي حقيقي في 2026 بشركات أقل اعتماداً على البيع العرضي، وأكثر اعتماداً على تشغيل الأصول، تنويع الدخل، وتنمية رأس المال عبر عوائد مستدامة، فالسوق العقاري السعودي يبدو أمام مرحلة استقرار ونمو طويل الأجل. ورغم ذلك فنجاح هذا التحول يعتمد على استمرار التنظيم، الشفافية في التقييم، وحوكمة جيدة؛ لتصبح العقارات في المملكة أصولاً استثمارية مؤسسية، وليس مجرد سلع للمضاربة.
** **
- عبدالعزيز العبيد