فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود
عندما تتحدث الريشة عن التراث والوطن
لصفية بن زقر ولعائلتها مكانة كبيرة في قلوب الكثير منَّا نحن -السعوديين- فعندما طُلب مني الحديث عن علاقتي بفنها وبشخصها، وجدتني أمام مشاعر يتوجها احترامي وتقديري؛ لما قدمته بفنِّها من رصد وتوثيق لبيئتنا وتراثنا وعاداتنا، وأحاسيس صادقة بما لمسته من إنسانة تعيش بداخلها معاني التأصيل للموروث والحفاظ على الهوية.
صفية بن زقر أم الفنِّ السعودي
هي التي غذَّت طفولة فنِّنا المعاصر بحسِّها المرهف وبعين فنية دقيقة. وقد عاشت عطاءها وفنَّها حارسةً لتراثنا وعاداتنا وبيئتنا، بل ولما تحمله ذاكرتُنا من معانٍ وقيمٍ شكَّلت وجدانَ هذا الوطن.
زرتُها أول مرة في مرسمها ببيت آل بن زقر في طريق المدينة، وزرُتها أخيراً في (دارة صفية) بطريق الملك عبد الله -رحمها الله رحمةً واسعة- عرفتُها وحاورتُها، ولكني لم أبلغ كل مبتغاي من الإحاطة بخيوط تجربتها الفنية الثرية، المتشبعة إبداعاً وعمقاً.
ففي زيارتي ما قبل الأخيرة، طلبتُ منها ثلاث لوحاتٍ تُجسد بها مكة المكرَّمة والمدينة المنوَّرة والقدسَ الشريف، لتكون جزءًا من مجموعة معرض (مساجد تُشدُ إليها الرحال). أما زيارتي الأخيرة لها -رحمها الله- فكانت أثناء عملي على معرض (الجمل عبر العصور)، وكنت اتطلّعُ إلى عمل فني تُنيخهُ ريشتها ليُصبح علامة سعوديةً متألقة في ذلك المعرض.
لكنَّ القدر سبق الأمنية؛ فبادرت (ليان الثقافية) إلى تكريم الفنانة صفية بن زقر بالمعرض ذاته في مركز الملك عبدالعزيز الثقافي بأبرق الرغامة، خلال عام الجمل، واستحضرت روحَها بلوحةٍ للفنان ضياء عزيز ضياء، فجاء التكريم وفاءً لفنانة سخرت حياتها لخدمة رسالتها الفنية.
لا أريد الإطالة، لكن ما طالني من آل بن زقر سيبقى في قلبي محبَّةً واحتراماً وتقديراً لعائلةِ كريمة لها مكانتها في مملكتنا الحبيبة. وكان آخر تواصلي معهم قبل أشهر، حين زُرتُ الأخ عبدالله بن زقر والعائلة في الدار وقدَّمتُ لهم نيابةً عن (ليان الثقافية) لوحةً (صفية) الفنانة الصافية الرصينة التي رسمَت بريشتها ملامحَ معالمنا السعوديَّة بأمانة وشغف، وتحدثت ريشتها عن حب الوطن.
رحم الله صفية بن زقر التي أعطت لوطنها وإنسانه بلا حساب، نترحَّم عليها سيرةً ومسيرةً، ونسأل الله أن يجزِيَها بواسع رحمته ومغفرته خير الجزاء لما قدَّمته لمملكتنا الغالية من إرث فني مهمّ سيبقى شاهداً للأجيال على نضج المعرفة الفنية السعودية، وعلى تفرد مسيرة واحدةً من أبرز رائدات الفن التشكيلي في بلادنا.