فضل بن سعد البوعينين
مرحلة جديدة من مراحل التعاون والشراكة الإستراتيجية والتكامل الاقتصادي، بدأت في التشكل بين السعودية وقطر، يعززها إطلاق مشروع القطار الكهربائي السريع العابر للحدود. مرحلة إستراتيجية بنيت على العلاقات التاريخية والأخوية، والثقة المتبادلة بين قيادتي البلدين. لم يكن لهذا المشروع الضخم، والإستراتيجي، أن يرى النور لولا الله، ثم توجيهات خادم الحرمين الشريفين الرامية لتحقيق التكامل الأمثل بين دول الخليج من جهة، وتحقيق التنمية الوطنية الشاملة، من جهة أخرى، ورؤية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، واهتمامه ومتابعته الدقيقة لكل ما من شأنه تعزيز التنمية الشاملة، والتنمية الاقتصادية، وتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030 التي امتدت، بعض برامجها التنموية، ومنها برنامج النقل، والخدمات اللوجستية، والسياحة، لتصل إلى دول المنطقة تحقيقا لرؤية سمو ولي العهد في دعم التنمية، وتحقيق التكامل والشراكة مع دول الجوار.
إن ما يربط القيادتين من علاقات أخوية عميقة، وثقة متبادلة، ورؤية منفتحة لمستقبل أكثر ازدهارا وأمنا واستقرارا، لبلديهما وللمنطقة عموما، أسهم في إطلاق مشروع القطار السريع، الذي يؤسس لمرحلة جديدة من التعاون المشترك، ويسهم بتسريع حركة التجارة والسياحة والاستثمار الثنائية، والخليجية والإقليمية على حد سواء، ويعزز، في الوقت عينه، الجهود الرامية إلى حماية البيئة وخفض الانبعاثات الضارة، وربط البلدين الشقيقين بشريان حياة يسهم مع مرور الوقت في تعزيز العلاقات الثنائية، وتحقيق التكامل، وبما ينعكس إيجابا على رفاهية الشعبين والازدهار الاقتصادي.
الربط بين الرياض والدوحة، مرورا بمحطات رئيسة تشمل الهفوف والدمام، مع اتصال مباشر بمطار الملك سلمان الدولي ومطار حمد الدولي، على امتداد 785 كيلومترا، يعني بداية مرحلة جديدة من التنمية السكانية، والاقتصادية، والمجتمعية على طول الخط، فمن المتوقع أن تنشأ ضواحٍ، ومراكز، وأن تزدهر المدن التي يمر بها القطار، وأن تنمو الرقعة الزراعية في المناطق المؤهلة لذلك، مستفيدة من سهولة التنقل، ونقل المنتجات والبضائع مستقبلا، إضافة إلى تحفيز الاستثمارات البينية، وتدفق رؤوس الأموال مستفيدة من الفرص الاستثمارية المتاحة. تسريع حركة السلع والخدمات، وتكثيفها، وربط سلاسل الإمداد، وتعزيز الترابط بين المراكز الحضرية والاقتصادية من أهم أدوات التنمية الاقتصادية والسكانية، وهو ما تحتاجه المملكة وقطر، خاصة مع إطلاق البلدين لرؤيتيهما 2030.
فمشروع القطار السريع هو تجسيد عملي لرؤية البلدين، ومن ممكنات التحول الاقتصادي، وتشكل قاعدة التنوع الاقتصادي، فقطاع النقل والخدمات اللوجستية هو القطاع الأهم لتحقيق مستهدف تنويع مصادر الاقتصاد، وتنمية القطاعات الواعدة ورفع مساهمتها في الناتج المحلي، وربط الشعوب بعضها ببعض لتشكيل مجتمع أكبر، قادر على التفاعل الإيجابي، والإنتاج، ورفد الاقتصاد الوطني.
للأثر الاجتماعي المتوقع أن يخلقه القطار السريع مستقبلا، انعكاس مهم على الأمن والاقتصاد والترابط المجتمعي، والأسري الذي يشكل القاعدة الكبرى للأمن المجتمعي والوطني. خدمة القطار لأكثر من عشرة ملايين راكب سنويا، تعكس الصورة الحقيقية للعلاقة الوثيقة بين الشعبين الشقيقين، والتنقل بين البلدين، وهي علاقة مؤثرة أيضا في الحراك الاقتصادي، والتنمية السياحية، والمجتمعية.
من المتوقع أن يسهم مشروع القطار السريع بنحو 115 مليار ريال سعودي تضاف إلى الناتج المحلي الإجمالي، وسيوفر ما يزيد على 30 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة خلال مرحلتي الإنشاء والتشغيل، مما يجعله أحد أكبر المشاريع الإستراتيجية الداعمة للتنمية الاقتصادية الإقليمية، وإذا ما أضفنا إلى ذلك حزمة من الاتفاقيات التي تم توقيعها أخيرا في مجالات الاستثمار، والأمن الغذائي، والطاقة، والإعلام، والاقتصاد الرقمي، تصبح الصورة أكثر وضوحا لمستقبل العلاقات السعودية - القطرية، وشراكتهما الإستراتيجية المعززة للتنمية المستدامة. تحول نوعي في العلاقات الثنائية، والتكامل التنموي والشراكة الإستراتيجية، وفق رؤية وفكر تنموي طموح يستهدف صناعة المستقبل، واستثمار العلاقات الوثيقة لبناء مزيد من الشراكات المحققة للمصالح المشتركة، والداعمة لخلق تكتل اقتصادي، سياسي، دولي قادر على اقتناص الفرص، ومواجهة المتغيرات الاقتصادية والحد من المخاطر ومعالجة التحديات الطارئة، وتحقيق الأمن الشامل، وخلق التأثير الإيجابي على المستويين الإقليمي والدولي. تطوير اقتصاد مشترك، قوي ومتين، سيسهم في خلق قوة تفاوضية عالمية، وسوق إقليمية جاذبة للاستثمارات الأجنبية، وللشركات الكبرى التي ستسهم في رفد اقتصاد البلدين.
أؤمن بأن التوافق السعودي - القطري، والثقة المتبادلة بين القيادتين، والبدء في إطلاق المشاريع والبرامج الإستراتيجية المشتركة، يشكل بداية مرحلة إستراتيجية لن يقتصر انعكاساتها الإيجابية على البلدين، بل على المنطقة بأسرها، والعلاقات الخليجية، والإقليمية، التي ستجعل من التنمية المستدامة، ورفاهية الشعوب، وتحقيق الأمن الشامل، هدفا رئيسا لها.