أحمد بن محمد الغامدي
أحيانًا، لا تكون المشاريع الكبيرة مجرد أرقام أو خرائط، بل قصص ناس وأحلام تمتدّ على الأرض لتوصل قلوبهم قبل مدنهم، ومن هنا تبدأ حكاية قطار الرياض - الدوحة، القطار الذي يسير ما بين رمل وصحراء، لكنه محمّل بمعاني الأخوّة، والحب، والتقارب بين بلدين شقيقين يجمعهما تاريخ، ولغة، ومصير واحد.
في لحظة طال انتظارها، أعلنت المملكة ودولة قطر عن مشروع القطار الكهربائي السريع، الذي يُعد من أضخم مشاريع البنية التحتية في المنطقة، ومن أبرز ثمار رؤية المملكة 2030 بقيادة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- هذا المشروع ليس مجرد سكة حديد تربط مدينتين، بل هو رسالة سلام ومحبة تنطلق بسرعة تتجاوز 300 كيلومتر في الساعة، تختصر المسافة بين الرياض والدوحة إلى ساعتين فقط، وتختصر معها مسافات في القلوب.
يربط القطار بين مطار الملك سلمان الدولي في الرياض ومطار حمد الدولي في الدوحة، مرورًا بالدمام والهفوف، على امتداد 785 كيلومتراً، ضمن شبكة حديثة تضم خمس محطات ركاب مجهزة بأعلى المعايير، ومع تشغيله يخدم المشروع أكثر من 10 ملايين راكب سنويًا، ويوفِّر حوالي 30 ألف وظيفة جديدة بين البلدين، ويضيف 115 مليار ريال للناتج المحلي، ليصبح مشروعًا اقتصاديًا واجتماعيًا في آنٍ واحد، وسيكون نواة للربط بين دول مجلس التعاون الخليجي من خلال السكك الحديدية.
ومثلما يقولون «القيمة مو دايم في الحجر، القيمة في البشر»، وهذا المشروع بالذات، قيمته في المعنى الذي يحمله، لأنه أكثر من سكّة حديد، هو سكّة حياة تربط شعبين، وتعيد التأكيد على العلاقة الأخوية المتينة بين السعودية وقطر، التي زادت عمقًا وقوة بفضل العلاقة الصادقة بين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وأخيه الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، علاقة قائمة على الود، والاحترام، والرغبة والإرادة المشتركة في بناء مستقبل خليجي متكامل.
الاتفاقية غير مسبوقة، لأنها ستشجع على الربط بين السعودية والبحرين ثم الكويت والإمارات وعمان وغيرها من دول الخليج، ولأنها لا تفتح بابًا جديدًا في تقنية النقل فقط، بل تحمل رسالة خليجية صافية عنوانها «مصيرنا واحد وطريقنا واحد» السكك الحديدية هذه المرة ليست مجرد مشروع هندسي، بل قصة ترابط وتاريخ مشترك، وسكة تمشي عليها أحلام شعوبنا قبل عجلات القطار.
سيغيِّر القطار من الناحية الاجتماعية نمط الحياة بين السعوديين والقطريين، يسهِّل السفر للعائلات، ويفتح فرص للسياحة والدراسة والعمل، باختصار، يجعل الخليج بيت واحد، يزدادون قوة ومتانة وإرادة، والناس أقرب لبعض أكثر من أي وقت.
«قطار الرياض - الدوحة» مشروع لا يختصر الخرائط فقط، بل سيكتب في ذاكرة الخليج كرمز للتقارب والنهضة، ليرى الجميع وجه المستقبل المشرق، الذي يجمع بين الحداثة والإنسانية، وبين التقنية والحب، في مشهد واحد عنوانه: من الرياض إلى الدوحة.. نمشي سوا في طريق واحد، نحو غدٍ أوضح وأجمل.