ناصر زيدان التميمي
هذه حكاية أرض اعتادت على الألم، وسماء ثقيلة شاهدة على دورات عنف لا تتوقف. إنها حكاية الضفة الغربية، حيث يصبح تصاعد التوتر واقعاً يومياً لا يخضع لتقويم أو تاريخ محدد، بل لوتيرة الصراع الأزلية.
في هذه الأرض، الرقم يصبح وجهاً، والوجه يتحول إلى غياب. عندما تُعلن الإحصائيات عن ارتفاع أعداد الضحايا، وخاصة بين القاصرين، فإننا نتحدث عن براعم فُتكت في مهدها، عن أحلام صغيرة تحولت إلى غبار عند نقطة تفتيش. هؤلاء ليسوا مجرد أرقام تُسجل في بيانات وزارة الصحة، بل هم شهود صامتون على الكلفة الإنسانية الفادحة.
تتكرر المشاهد في مدنها وقراها؛ فكم مرة تحولت حكاية بسيطة إلى مأساة قرب حاجز عسكري؟
كم من شاب يافع، ما زال العناد الطفولي يملأ عينيه، قاد سيارته متوهماً أنه يملك الحق في الحركة، ليجد نفسه وسائق بجانبه ضحية لرصاص لم يمهله للتفكير؟
المشهد يتجدد: سيارات متوقفة، بيانات عسكرية متضاربة، وأمهات تنتظرن جواباً لا يأتي.
إنهم جيل يدفع ثمن احتكاك مباشر وعنيف، في ظل قيود خانقة على الحركة ومداهمات تزرع الرعب في منتصف الليل. وما يزيد الطين بلة هو تزايد هجمات المستوطنين، كظل ثالث يرافق العمليات العسكرية، ليصبح الفلسطيني محاصراً بين نارين.
وبعيداً عن ضجيج الميدان، يُدار مصير هذه الأرض في الغرف المغلقة حيث تُخطط «المراحل» السياسية.
يتحدث الساسة عن خطط كبرى لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، عن مراحل ثانية تتضمن إنهاء حكم طرف، وتشكيل ترتيبات أمنية دولية معقدة. يتم ذكر أسماء قادة عالميين وأجندات تهدف لإعادة ترتيب الأوراق.
لكن السؤال يبقى معلقاً في هواء الضفة الغربية: ما مصيرنا نحن؟ بينما يناقش القادة مسألة الضم السياسي كفكرة قابلة للتأجيل أو الاستمرار، يبقى الواقع الراهن هو الثابت الوحيد: حالة من التوتر السياسي والميداني الدائم.
تنتظر هذه الأرض، بأهلها المنهكين وقلوب أطفالها المرتعشة، أن تتوقف لعبة المصير هذه. إنها تنتظر لحظة لا تتقيد بزمن، لحظة يتغلب فيها صوت السلام الحقيقي على ضجيج البنادق وجدالات السياسة العابرة.