خالد بن عبدالرحمن الذييب
هناك كاريزما عجيبة للعقاد، في نظرة عينيه وصورته على أغلفة كتبه بقبعته الشهيرة، توحي بجاذبية فريدة لا تتوقف عند الإطار الخارجي.
إنها كاريزما تنبع من الداخل، تبدأ بنظرة عينيه الثاقبة وربما القلقة من شيء ما بعيد قد لا يستطيع البوح به، وتستمر هذه الكاريزما في أناقة مظهره الكلاسيكي، وتصل إلى هيبة اسمه الثلاثي «عباس محمود العقاد».
هناك سحر عجيب يكمن في هذا الرجل، سحر نابع من اعتداده المفرط برأيه وعزة فكرته التي لا تقبل التنازل، واعتبار الفكرة أكبر من مجرد فكرة، فهي جزء من شخصيته، بل إن شخصيته عبارة عن فكرة تتكلم.
هذه هي الميزة الأبرز في شخصية العقاد، وهي قوة تدفعه لطرح أفكاره، سواء في مقالاته الأدبية أو حواراته الصحفية، بثقة ساحرة يشعرك فيها بأنك يجب أن تؤمن بأن كلماته تُعد مصدراً ثالثاً للتشريع.
فبينما يعلن الإمام الشافعي أن «كلامي صواب يحتمل الخطأ، وكلام غيري خطأ يحتمل الصواب»، فإن شخصية العقاد تبدو وكأنها تردد: «كلامي صواب ولا يحتمل إلا الصواب، وكلام غيري خطأ ولن يكون إلا خطأ».
هذا الإصرار والعزم هو أحد أسرار، بل هو السر الأكبر لديه، وهذا ما يفسر حدة لغته وطبيعة خلافاته الأدبية الشهيرة.
ومن هنا، يمكن تطبيق منهجه النقدي عليه نفسه، وتحديد «مفتاح الشخصية» الذي كان العقاد يستخدمه في سلسلة عبقرياته، فمفتاح شخصية العقاد هو «الاعتداد بالرأي» أو «عزة النفس بالفكرة».
هذه العزة هي التي تمنحه القدرة على الكتابة بصلابة لا تقبل التراجع، وهي التي تجعل قراءة نصوصه رحلة فكرية ومشوِّقة.
علاقتي به بدأت منذ أيام المراهقة، ولا أدّعي أني قرأت كل ما كتب ولكن كل ما قرأته له كان نصاً مقدساً في فترة من فترات حياتي إلى أن كبرت واستوعبت أن كلا يُؤخذ منه ويُرد. ومع ذلك، من الغريب القول إنني وصلت إلى قمة هذه العلاقة المشوِّقة مع كتاب لم يكتبه العقاد، بل كتبه أحد عشاقه البارزين: «في صالون العقاد كانت لنا أيام» لأنيس منصور.
العقاد، إلى جانب عمالقة القلم مثل توفيق الحكيم ومالك بن نبي، تضعنا في زمن «الطيبين» وتؤكد أن القوة الفكرية والشخصية المتفردة قادرة على تجاوز الأجيال وتشكيل الوعي عبر السنين.
أخيراً ...
جاذبية العقاد في «عزة قلمه».. عِزّ قلمك .. يعزك القارئ..
ما بعد أخيراً...
حتى وأنا أكتب «العقاد»... أشعر بالتاريخ.