مرفت بخاري
في معادلات الحياة، البقاء ليس للأقوى بالعضلات أو الأصوات العالية، بل للأقوى إيمانًا، وعقلًا، وثباتًا على الحق.
البقاء للأمم التي تدرك أن وحدتها صمّام أمانها، وأن قوتها لا تنبع من العتاد وحده، بل من اجتماع الكلمة، وصحة الموقف، ونقاء النوايا.
من هذا المنطلق، ندرك أن القادة العظماء لا يمضون الطريق استعراضًا للسلطة، بل يرسمون المسار على درب الحق، مهما كثرت العواصف واشتدّت الرياح.
وفي المقابل، لا عجب أن نجد من يُراد لهم أن يكونوا أدوات للتمزيق، وأبواقًا للفتنة، يتنقلون في الأرجاء بلا صفة ولا شرف، ينفثون السموم بألسنة حاقدة وقلوب مريضة.
لقد عرفناهم عبر التاريخ، بصور مختلفة.
عرفناهم فيمن أشعلوا نيران الفتنة في الأندلس حتى ضاعت، وفيمن خانوا الأمة إبان الحملات الصليبية، وفيمن باعوا قضايانا في القرن العشرين مقابل سلطة زائلة أو مصالح شخصية.
واليوم، يعودون من جديد بوجوه حديثة، وبمنصات رقمية، يحاولون اللعب على وتر الشعوب، وتحريك العقول الغافلة لتشكك وتفكك دون وعي.
لكن من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، يعلم جيدًا أن الردّ على الفتنة أحيانًا هو وقودها، وأن الصمت الواعي أشد من ألف بيان.
فلا ترفعوا من شأن الحاقدين بالردود، ولا تجعلوا من أرخص الحسابات قضية نقاش.
ولنتذكر دائمًا: الشمس لا تُغطى بغربال، ومن يعرف قدر قيادته ووطنه لا تهمّه نباحات بعيدة.
نحن في زمن تحوّلات كبرى.
زمن تُبنى فيه التحالفات، وتُعيد فيه الدول تعريف مكانتها.
انظروا كيف اجتمعت القوى العالمية على مصالحها، فكيف لنا أن نُشتّت أنفسنا باسم حرية التعبير، بينما نحن نخسر أعز ما نملك: وحدتنا وثقتنا ببعضنا؟
إنّ النهضة السياسية والاقتصادية والمجتمعية ليست أمنية بل مسؤولية، والقيادات الرشيدة في منطقتنا، بما تحمله من رؤى واستراتيجيات، تعمل ليل نهار لترسيخ الأمن، وجعل أمتنا قوة لا يُستهان بها.
من مشروع نيوم، إلى رؤية 2030، إلى المصالحات الكبرى التي أُنجزت بعد سنوات من الانقسامات.. كلها شواهد على أن الوحدة ليست حلماً، بل مسارًا حقيقيًا يتم بناؤه لبنةً لبنة.
ومن يشكك في هذا المشروع العربي- الإسلامي الكبير، فهو إما غافل أو مأجور.
علينا اليوم أن نختار:
هل نكون جزءًا من البناء، أم نكون متفرجين أو هادمين؟
دعونا نتفق على ميثاق شرف رقمي:
من يتحدث عن قادتنا بسوء، يُحظر دون جدال.
من يشكك في قرارات وطنية كبرى دون فهم أو علم، يُترك في صحراء الصدى.
لا نرد على الفتن، بل ندفنها بالإهمال والتجاهل، ونبني سداً من الوعي يحمي أوطاننا.
نحن اليوم في الأشهر الحُرم، أيام عظيمة تتضاعف فيها الحسنات.. فكيف لنا أن نلوثها بمهاترات سياسية وانفعالات وقتية؟
فلنجعل من هذه الأيام المباركة عهدًا جديدًا:
نذبح فيه الفتنة كما يُذبح الهدي، ونرفع راية الوحدة كما تُرفع رايات الحجيج.
ولْنوقن أن أمتنا، حين تجتمع على عزّ الإسلام، لا يمكن لقوة في الأرض أن تكسرها.
ولنردد بملء الفم واليقين:
«إنّا مع الوحدة حتى النهاية، ومع القيادة حتى النصر، ومع الحق حتى تقوم الساعة».
دعوا الحجارة تسقط.. فالسد قائم بحكمةٍ لا تُخترق.