د. سطام بن عبدالله آل سعد
المعلمون والمعلمات هم القلب النابض للعملية التنموية التعليمية، وشركاء حقيقيون في بناء الإنسان وصياغة المستقبل. ومع كل ما يؤدونه من أدوار محورية في تنشئة الأجيال وترسيخ القيم والمعرفة، إلا أن بعض المزايا الوظيفية الضرورية لا تزال غائبة عنهم، وفي مقدمتها التأمين الطبي وبدل السكن، وهما من المقومات التي تعزز التوازن المهني والمالي لأي موظف، لا سيما من يحمل رسالة تربوية وإنسانية بهذا القدر من الأهمية.
إن غياب هذه الامتيازات يُسلّط الضوء على حاجة ماسّة لإعادة النظر في مستوى التقدير العملي والإنصاف الوظيفي الممنوح لهذه الفئة. إذ يصطدم المعلم والمعلمة بتحديات حياتية ملموسة، لا سيما فيما يتعلق بتكاليف العلاج والرعاية الصحية، في ظل موارد لا تتناسب مع حجم الأعباء المستمرة، فضلاً عن عبء السكن الذي يتحمّلانه في خضم مستويات التضخم العقاري.
وتتضاعف هذه الضغوط مع بدء حركة النقل السنوية، حيث يُضطر الكثيرون إلى الانتقال لمناطق بعيدة عن أسرهم، مما يفاقم التحديات اليومية. وهناك، تبدأ رحلة تكيّف مع واقع معيشي مختلف ومكلف، غالبًا ما يكون على حساب الراحة النفسية والاستقرار المهني.
هذه الضغوط المعيشية، وإن بدت صامتة، فإنها تترك أثرًا واضحًا على جودة الأداء داخل الفصل، وتحدّ من قدرتهم على الإبداع والتجديد، رغم ما يبذلونه من جهد وتفانٍ في أداء رسالتهم. واستمرار هذا الوضع من شأنه أن يُضعف جاذبية المهنة في أعين الجيل القادم، ويقلل من الإقبال عليها في وقت نحن فيه بأمس الحاجة إلى استقطاب الكفاءات المؤهلة والطموحة. ومع إدراك الجميع لأهمية الدور الجوهري الذي يضطلع به من يحملون رسالة التعليم، إلا أن الفروقات في المزايا مقارنة ببعض الوظائف الأخرى لا تزال محل تساؤل.
ولأنهم يمثلون قدوة في المجتمع، فإن تمكينهم يتجلى في السياسات والقرارات التي تُراعي احتياجاتهم وتحترم دورهم التنموي الأصيل. وحين تسعى رؤية المملكة 2030 إلى تطوير شامل لمنظومة التعليم، فإن نقطة الانطلاق الحقيقية تبدأ من تمكين من يحملون هذه الرسالة، وتهيئة بيئة عمل تدعم الاستقرار وتحفّز على العطاء المستدام.
الاهتمام بالتأمين الطبي وبدل السكن هو استثمار في تمكين أولئك الذين يُشكّلون وعي أبناء الغد، ويقفون على خط البداية في مسيرة الوطن نحو التنمية والبناء.