عبدالله بن محمد آل الشيخ
شهدت الساحة الإعلامية الخليجية والعربية خلال السنوات الأخيرة زخماً لافتاً في إقامة المنتديات والمؤتمرات الإعلامية، وفي مقدمتها منتدى الإعلام السعودي، إلى جانب منتديات ومنصات إعلامية أخرى، وقد رافق هذا الحراك تساؤل مشروع: هل نجحت هذه المنتديات في أداء دورها الحقيقي؟ وهل أسست لإعلام قادر على خدمة قضايا الخليج والعالم العربي في ظل عالم تتسارع فيه معارك الرأي العام؟
وقد جاءت هذه المنتديات بوصفها منصات للحوار وتبادل الخبرات، وفضاءات لمناقشة تحديات الإعلام التقليدي والرقمي، وصناعة المحتوى، والتحولات التقنية المتسارعة. وكان الهدف الأسمى هو الانتقال بالإعلام العربي من ردّ الفعل إلى الفعل، ومن التغطية إلى التأثير.
ويُعد منتدى الإعلام السعودي من أبرز النماذج في المنطقة، سواء من حيث مستوى التنظيم أو تنوع المشاركين أو طبيعة الموضوعات المطروحة. وقد نجح في جذب قيادات إعلامية وخبراء دوليين، وفتح نقاشات مهمة حول مستقبل الإعلام، والذكاء الاصطناعي، واقتصاد المحتوى، غير أن التحدي الحقيقي يبقى في استدامة الأثر، وتحويل النقاشات إلى سياسات ومبادرات إعلامية عملية.
ورغم أهمية ما يُطرح في هذه المنتديات من رؤى وأفكار، إلا أن فجوة واضحة ما زالت قائمة بين الخطاب والتطبيق، فكثير من التوصيات تبقى ضمن الإطار النظري، دون أن تتحول إلى مشاريع مشتركة أو استراتيجيات إعلامية خليجية وعربية متكاملة، قادرة على مواجهة التحديات الإعلامية المتزايدة.
والقضايا المصيرية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وأمن المنطقة، والتنمية، والهوية الثقافية، تحتاج إلى خطاب إعلامي موحد، متزن، ومؤثر. وقد أسهمت المنتديات الإعلامية في رفع مستوى الوعي بهذه القضايا، لكنها لم تصل بعد إلى مرحلة بناء سردية إعلامية مشتركة تعبّر عن الموقف الخليجي والعربي بوضوح وقوة.
وفي ظل التحول الرقمي، برز صناع المحتوى ووسائل التواصل الاجتماعي كلاعب رئيسي في تشكيل الرأي العام، خصوصاً لدى فئة الشباب، وهنا تبرز مسؤولية المنتديات الإعلامية في احتضان هذه الطاقات، وتأهيلها مهنياً، وربطها بالقضايا الوطنية والقومية، بدلاً من تركها عرضة للاجتهاد الفردي أو الاستقطاب الخارجي. فالإعلام الجديد ليس بديلاً عن الإعلام التقليدي، بل شريك فاعل في معركة الوعي.
ولم تعد المعركة الإعلامية تقليدية، بل أصبحت معركة سرديات وصورة ذهنية، والمنصات المنافسة باتت أكثر احترافية وتنظيماً، ما يستدعي من المنتديات الإعلامية الانتقال من دور النقاش إلى دور القيادة والتوجيه، عبر بناء شبكات إعلامية، ودعم المحتوى النوعي، وقياس الأثر الحقيقي للرسائل الإعلامية.
ولكي تحقق المنتديات الإعلامية دورها المنشود، فإن المرحلة المقبلة تتطلب:
- الانتقال من التوصيات العامة إلى برامج تنفيذية واضحة.
- تأسيس شبكات تنسيق إعلامي خليجية وعربية دائمة.
- دعم وتمكين الإعلاميين الشباب وصناع المحتوى الجاد.
- توحيد الخطاب الإعلامي تجاه القضايا المصيرية.
- اعتماد مؤشرات لقياس الأثر الإعلامي الفعلي.
خاتمة:
المنتديات الإعلامية الخليجية والعربية تمثل خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، لكنها ليست غاية بحد ذاتها، فالرهان الحقيقي هو على قدرتها في صناعة إعلام واعٍ، مهني، ومؤثر، يخدم قضايا الخليج والعالم العربي، ويعزز حضور الصوت العربي بثقة في المشهد الدولي.