أ.د.عثمان بن صالح العامر
البحث عن مواطن الجمال ومكامنه حاجة فطرية أودعها الربُّ عزَّ وجلَّ وأوجدها الخالق سبحانه وتعالى في تكوين هذا المخلوق المكرَّم على غيره والمسخَّر له ما في السموات وما في الأرض. والحاجات البشرية الجبلية أياً كانت تحتاج إلى إشباع حقيقي حتى يبقى الإنسان حيَّاً على الأرض، وينعم بصحة جسدية ونفسية وذهنية جيدة، ولذا لا عجب أن يغادر الواحد منا موطنه الذي يقطنه ويسافر سواء وحده أو هو وعائلته وربما مع أصدقائه إلى أقصى الشرق أو الغرب رغبةً في الاستمتاع بالجمال الذي يتوقّع وجوده هناك، ويعود بعد رحلته القصيرة وقد التقط الصور التذكارية التي توثِّق الحدث، وتحقِّق له ولمن كان في معيته المتعة والأنس عندما يشاهدها ويتأمل فيها، وكلما تقدَّم الزمن به زاد تعلُّقه بها، وهذا في قاموس المصطلحات العلمية (سائح) وليس ضيفاً.
والسياحة في المملكة العربية السعودية، تعد في أدبيات رؤية المملكة 2030 من أهم مصادر الدخل غير النفطي، ولذا لا بد أن ينظر إليها من قبل المواطن أياً كان موقعه في خارطة الوطن على أنها صنعة تدر دخلاً وطنياً إضافياً ومهماً، فضلاً عن أنها باب من أبواب الرزق للمستثمرين الجادين في توظيف الطبيعة أو التاريخ أو... من أجل كسب المال.
وحائل مرشحة بقوة أن تكون المكان الملائم للصناعة السياحية المتولِّدة عن توجيهات قيادتنا الحكيمة، والمتوافقة مع إسترايجيات الرؤية، ومزيتها الأساس تلك الجاذبية الروحية التي بين جبليها، فأرضها ذات خاصية غريبة، يعرفها جيداً من سكنها أو زارها أو مر بها يوماً ما، تخاطبك أنت، تتبادل معك المشاعر والأحاسيس الرائعة حتى وإن ظننتها خرساء صامتة، تشعرك بالدفء وتحتضنك بحنان. تجد فيها النفس البشرية الراحة والانسجام، فضلاً عن (نقاء هوائها) الذي هو المزية الثانية لهذه المدينة الرائعة.
علاوة على أن حايل أو حائل-على خلاف واسع ليس هذا مكان بسطه- صفحة تاريخية رائعة تأخذك إلى الماضي البعيد، وترحل بك سريعاً لتقرأ على صخور جبالها، وبين شعابها ووديانها ما سطرته حضارات بشرية سادت ثم بادت، وتحاول جهدك فك الألغاز البشرية وأنت في رحلة (سياحية جبلية) استثنائية ماتعة.
أما عن إنسان المنطقة- بما يتمتع به من صفات وسمات، تحدث عنها وأشاد بها الكل ممن زاروا المنطقة سواء كانوا مستشرقين أو مؤلفين أو صحفيين أو مغرِّدين ومؤرِّخين- مدعواً-في ظل رؤية المملكة 2030- أن ينظر للسياحة الحائلية على أنها صنعة، وهذا يوجب عليه، أولاً وقبل كل شيء أن يفرق بين مصطلحي (السائح) و(الضيف)، فالسائح-كما سبق أعلاه- غادر منزله وبلده من أجل (المكان) وفي نيته أساساً الاستجمام والاستمتاع، أو الاكتشاف والاستشفاء، أو... وحتى لو زار حائلياً فزيارته له تبع، إذ ليس هو المعني بهذه الرحلة، أما الضيف فنيته منذ عزم السفر ولملم شتات نفسه للرحيل من داره صوب هذه المدينة الرائعة الحالمة هي (زيارة فلان من الناس)، جاء من أجلك أنت، هدفه الرئيس الجلوس إليك والحديث معك وسيعود متى انقضى ما عزم عليه، وهذا له حق الضيف المعلوم شرعاً وعرفاً وعادة مستقرة في ذهنية المجتمع الحائلي.
أعلم أن هذا التفريق بين السفرين، (المكان) و(الإنسان) سيضرب في صميم البناء القيمي للإنسان الحائلي، وسيمس أعز ما يفتخر به من قيم عربية متوارثة ألا وهي (قيمة الكرم)، وربما اتهمت من قبل البعض بأنني أغني خارج السرب، ولذا كثيراً ما ترددت في التعرض لهذا الإشكال المفاهيمي من خلال هذه الزاوية، ولكن هذا الطرح-وأقسم بالله العلي العظيم ليست لي فائدة شخصية منه فلست في السوق السياحي ولا لي في عالم المال والأعمال- له بعده الاقتصادي، ومردوده الاستثماري في المنطقة، ويؤثِّر بشكل مباشر على حركة الريال ودورته الاقتصادية التي هي عنوان ومقياس التطور في هذا القطاع الهام، فضلاً عن أن معطيات المرحلة التنموية في المملكة العربية السعودية توجب علينا أن نتصارح فيما هو خير لهذا الجزء من الوطن العزيز المملكة العربية السعودية، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء، والسلام.