د.زكية محمد العتيبي
تحتلّ اللغة العربية مكانةً محورية في هوية المملكة العربية السعودية، بوصفها لغة القرآن الكريم، ولسان الثقافة العربية والإسلامية، وأحد أبرز مرتكزات السيادة الثقافية. ومن هذا المنطلق، جاءت توجيهات ولاة أمرنا -حفظهم الله- الداعية إلى تعزيز استخدام اللغة العربية في الخطاب الرسمي والإعلامي، وفي مختلف المحافل والفعاليات المقامة داخل البلاد، بما فيها المحافل الدولية. فاعتماد العربية في فضائنا الوطني ليس إجراءً شكليًا، بل تعبير صريح عن الاعتزاز بالهوية والانتماء، ورسالة حضارية تؤكد أن اللغة جزء أصيل من قوة الدولة الناعمة.
غير أنّ المفارقة المؤلمة تتجلى حين نلحظ أنّ بعض أبناء هذا الوطن، وفي فعاليات تُقام على أرضه، يختارون الحديث بلغات أجنبية، وعلى رأسها الإنجليزية، وكأن العربية عاجزة عن أداء دورها التواصلي والمعرفي. يحدث ذلك «في قعر الدار»، حيث تُهمَّش اللغة الأم لصالح لغات وافدة، في مشهد يثير تساؤلات عميقة حول مستوى الوعي اللغوي والثقافي. فالمحافل الدولية لا تعني التخلي عن اللغة الوطنية، بل على العكس، تمثِّل فرصة لإبرازها وتكريس حضورها، مع الاستعانة بالترجمة بوصفها وسيلة للتواصل لا بديلًا عن الأصل.
وتزداد هذه المفارقة وضوحًا عند مقارنتها بتجارب دول أخرى تعتز بلغاتها اعتزازًا صارمًا. ففي دول كروسيا، وعلى سبيل المثال في موسكو، يكاد يكون من المتعذر إنجاز تواصل مباشر بأي لغة غير الروسية؛ إذ يصرّ المجتمع والمؤسسات على استخدام لغتهم الوطنية، ولا يتم التواصل مع الأجانب إلا عبر الترجمة. ولا يُعدّ هذا السلوك انغلاقًا، بل تأكيدًا على أن اللغة هوية، وأن احترام الآخر يبدأ باحترام الذات ولسانها.
وفي هذا السياق، تبرز مقولة الأستاذ الدكتور سعد البازعي بدلالتها العميقة حين وصف الحديث بالإنجليزية في غير موضعه بأنه «هزيمة ثقافية أمام الآخر» داعيًا إلى التحدث بالعربية، لغة القرآن والتراث والأمة، وترك مهمة الفهم للترجمة. فالقضية ليست رفض اللغات الأجنبية أو التقليل من شأنها، بل رفض تهميش العربية في وطنها، وإقصائها عن فضائها الطبيعي.
إن توجيهات ولاة أمرنا في هذا الشأن تمثِّل وعيًا حضاريًا متقدمًا، يربط بين اللغة والسيادة الثقافية. فالعربية، حين تُستخدم بثقة في المحافل الدولية داخل بلادنا، لا تعيق التواصل، بل تعزِّز الاحترام، وتؤكد أن اللغة ليست مجرد أداة للتخاطب، بل هوية راسخة لا نقبل التنازل عنها.
إنها رسالتنا إلى الآخر بأننا شعب يعتزّ بهويته، ويعتدّ بلغته، ويخاطب العالم من موقع الثقة لا التبعية.
** **
- أستاذ النقد والبلاغة