علي حسين (السعلي)
جلس يتأمل المارّة، أحسّ بمللٍ تسلل إليه،
يشعر بأن رأسه كعرسٍ فيه زغاريد ودفّ وزمر.
تمطّى بفكره.. وقرر السير ليكسر حاجز ما انتابه من خوف مفاجئ أطبق على صدره، كل من يراه يقول :
- سيارة يا عم
- إلى أين تذهب يا عسل ؟
استوقفه أحد موظفي القطار بعد أن سأله..
لكن ملابس الموظف غاية في الأناقة.. وجهه لا تستطيع أن تنظر إليه من دمامة خِلْقتهِ..
لسانهُ يقطرُ سُكْرا قائلا :
- الصيدلية في الطابق الثالث لحظة ! تجدها أمامك مباشرة !!
ضغط مفتاح المصعد وهو فيه..
وجد عامل العربة يده تطيش يمنة، والأخرى يتحدث غاضبًا مع زوجته، بعض رذاذ خرج من فمه استقرت في نظارته..
ابتسم حين اختطم العامل ذراعه بعد أن كاد يضرب برأسه الجهة الخطأ من فتحتي المصعد..
شكره..
وأخذ يتجوّل في الصيدلية بحثا عن أغراض يبحث عنها!!
دفع ما تبقى من مئتين كانت نائمة في محفظته لشهور، مازحه الدكتور ضاحكا :
تفضل: هل تريد دولارات ؟!
عاد إلى مقعد مللهِ، صدرهُ امتلأ أكثر من الأوّل كطبلٍ احمرّت أطرافه إثر نار غازلته دفئا.. وهو في انتظار سماع رقم رحلته والتي اقترب موعدها..
لكنه في غاية السوء بنفسيةٍ تقتل أفكاره..
سمع النداء، افترش الوقت صومعة الصمت، وعند العربة السادسة وضع حقيبته..
وأنثى تداخلت معه بكتفها، تركها وبدأ يقرأ مكان مقعد جلوسه..!!
اقتعد ونظره يراقب فتاة أمامه جمالها كقمرٍ أضاء في عينيها وشمسٍ سطعت في خديها مشرقة..
غض بصره ضاربا مفاتيح هاتفه مرورا لفتح بوابة الكلام..
عَلَق فجأة كعادته.. هزّه بقوة كطير يرقص من الألم.. وحين تعب أقفل هاتفه إلى الأبد!!
سرح بخياله يفكر.. أنا معروف في الوسط الذي أنتمي إليه..
الكل يقدرني إلا المال.. مال عليّ كثيرا متى؟..
كلما يقترب مني بحذر يهرب كخروف اقتاده جزّاره ذبحا.!!..
امتطى ساقه إلى فندقٍ كبير واجهته ضخمة..
انتظر دوره حتى سلّم عليه موظف الاستقبال طالبا منه سبب وقوفه، أعطاه صورة حجزه المرسل له من قبل مستضيفيه..
تفاجأ أن الحجز تمّ في انتظار أن تصحو محفظته من سباتها.. اشتاط غيظا حاول التواصل مع أحد دون جدوى.. اضطر أن يسدد آخر مبلغ فيها بعد أن قذفها في مرمى النفايات!!
في المساء.. ألقى نصوصه المعدة على الحضور الذي أرضاه..
كان عنوان ليلته الشعرية ( ليلة غنى فيها القمر على أنغام الحروف وسطر المعاني في شمس الشعر ألقا) ..
عاد لغرفته..
أسدلت رموشه ليل الجفون وغطت العين سكن الجنون..
عاد من يومه التالي راكبا القطار في المحطة ينتظر العودة، استقل نفس العربة..
نفس مقعد الجلوس مقهقها على حال أديب ضيّع آخر ريالٍ في محفظته التي نسيها فوق طاولة الاستقبال..
حين وصل بيته مع أوبر.. الذي سامحه في قيمة توصيله بعد أن سكب ماء وجهه ارضاءً للسائق..
ادخل المفتاح في رقبة باب شقته..
نسيه من الخارج بعد أن سمّ الله ألقى بجثته على سريره..
حمد الله أن هاتفه النقّال لايزال نائما في مغارة جيبه..
خوفا من اتصالات الذين يطالبونه دينا عليه.!!