د. محمد عبدالله الخازم
الوظيفة والمسؤولية -أيًا كانت مستوياتها- تتطلب الكفاءة والقدرة في اتخاذ القرار، بما في ذلك القدرة على الاستثناء متى أتيح لنا وفق ضوابط واضحة. نُذكّر اليوم بأهم مبادئ وآليات الاستثناء، الذي هو جزء أصيلاً من طبيعة العمل والحياة، ونبدأ بالمبادئ:
أولاً: رغبتك في مناقشة أو تطبيق الاستثناء هي الأساس. فإذا لم تكن لديك الرغبة فيه، بوصفك قادراً على اتخاذ القرار، فإنه يصعب إجبارك عليه. هنا يكون الخيار بين الصرامة/ التشدد أو الرحمة متى ما كانت سبل تطبيقها متاحة.
ثانياً: الإلمام بدرجات النظام - القانون/ النظام، اللائحة، التعميم، التوجيه - هو ما يحدد إمكانية الاستثناء من عدمها. فالنص القانوني الواضح يصعب الاستثناء فيه، أما ما دون ذلك، أو ما خلا من نص صريح، فيبقى قابلًا للنقاش.
ثالثاً: العدل أساس أخلاقي، فلا يستثني القريب أو الصديق أو صاحب النفوذ، ويرفض ذلك لغيرهم.
رابعاً: تجنب الإضرار بالآخرين أو سلب فرصة هي حق لهم.
خامساً: الشفافية والثقة. فالاستثناء عُرف إداري، وعند منحه لا ينبغي اعتباره مبادرة شخصية أو «شرهة» سرية. القيادة مسؤولية وثقة؛ ويشمل ذلك إبلاغ وشرح القرار ومبرراته للمسؤول ولذوي العلاقة بثقة ووضوح.
سادساً: عدم الإضرار بالمصلحة العامة، سواء كانت وطنية أو بيئية أو مؤسسية وغيرها. يجب مراعاة مصالح الوطن العليا.
سابعاً: تجنب المصالح الخاصة/ تعارض المصالح. فالنزاهة تتطلب صيانتها بعدم الانحياز أو استغلال المنصب أو موقع المسؤولية لتحقيق مكاسب شخصية.
تلك المبادئ ولها أليات منها - وفق خبراتي وما طبقته في مستويات وظيفية عدة- التالي:
1 - القياس: البحث عن حالات سابقة أو مشابهة يمكن القياس عليها، مع إدراك أن التشابه الكامل بين الحالات والنصوص قد لا يتوفر. هنا تبرز أهمية الرغبة، والثقافة، واستيعاب روح الأنظمة المختلفة، والسعي لتحقيق العدالة؛ فالقياس أصل شرعي وقانوني وإداري.
2 - الشك أو عدم الوضوح في النظام أو القانون يُفسَّر لصالح المستفيد؛ فهناك حالات لا نص فيها، أو وردت بنصوص غير واضحة، أو تحتمل أكثر من تأويل. في مثل هذه الحالات، استخدم التفسير الذي يخدم صاحب الحاجة، لا ذلك الذي يُغلق الأبواب بجفاء ويحرمك العمل بروح رحيمة معطاءة.
3 - عندما يكون الاستثناء ليس ضمن صلاحياتنا علينا السعي إليه بإيجابية وحسن نية لدى صاحب الصلاحية، الذي غالبًا ما يقدّر اجتهادك في خدمة الناس. وإن لم يتحقق الاستثناء، فتكفي النية الصادقة وبذل الجهد في فعل الخير.
4 - عدم إغفال الظروف الإنسانية والاجتماعية فالمستفيد ليس مجرد رقم، بل إنسان له ظروفه الذاتية والمحيطة، وعلينا تقدير الأبعاد الاجتماعية والإنسانية والصحية، وتأثير القرار الإيجابي على المستفيد وأسرته ومن يرتبطون به و يجب عدم التردد في الاستناد إلى ذلك كمبرر، متى ما وجدت فرصة تتيح الاستثناء.
أكتب عن الاستثناء من زاوية إيجابية، مدركاً اعتراض/ تردد البعض في استخدامه، بحكم طبيعتهم الشخصية (الصارمة/ الجافة)، عدم إدراكهم مفهوم «روح الأنظمة» وكونها وُجدت لتنظيم العمل وخدمة الناس لا لتعقيد حياتهم، أو الخوف/ عدم اعتياد اتخاذ القرار ..إلخ.
ختاماً، الاستثناء الإيجابي يترك أثراً طيباً، لا تترددوا في فعله متى كان الناس في حاجة له ويُتاح فعله.