د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
أقدم مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على خفض الفائدة بربع نقطة في 10 ديسمبر ليصبح الإقراض لليلة واحدة في نطاق يتراوح بين 3.5 % و 3.75 % بعدما كانت قرب صفر في 2015، ثم ارتفعت فوق 2 % 2019، ثم انخفضت إلى قرب صفر في من 2020 - 2022، ثم ارتفعت قرب 6 % في عامي 2023،2024، في ظل انقسام المجلس حول أولويات السياسة النقدية في إشارة جاءت في الوقت نفسه إلى أن الطريق نحو خفض إضافي سيكون أكثر تعقيدا، في خطوة ما وصفت بالخفض المتشدد، لاكما يميل إليه الصقور إلى تشديد السياسة لمواجهة التضخم، فيما يركز الحمائم على دعم سوق العمل بخفض الفائدة، لكن اتخذ هذا القرار في ظل إغلاق حكومي استمر نحو ستة أسابيع حتى 12 نوفمبر 2025 تسبب في نقص البيانات الرسمية.
لذلك حمل هذا القرار رسائل تحذيرية حول مسار السياسة النقدية لاحقا، في سابقة لم تحدث منذ 2019، كما عكس الانقسام استمرار التباين داخل اللجنة بشأن الحاجة إلى تيسير إضافي أو تشديد أكبر، لذلك استخدمت اللجنة صياغات حذرة في بيانها بعد الاجتماع، كأن ينظر في البيانات الواردة، وآفاق الاقتصاد المتغيرة، وموازين المخاطر، عند تقدير مدى وتوقيت أي تعديلات إضافية على النطاق المستهدف لسعر الفائدة، سبق أن استخدمت اللجنة هذه اللغة في ديسمبر 2024 كان إشارة إلى وقف دورة التخفيضات، ولم تعد اللجنة إلى خفض الفائدة مجددا حتى سبتمبر 2025، وبعد الخفض الثالث على التوالي في سبتمبر، وأكتوبر، وديسمبر 2025، يتجه التركيز إلى الخطوة المقبلة وسط هامش محدود للمزيد من الخفض، فيما التوقعات تشير إلى خفض واحد في 2026 وآخر في 2027 قبل أن تستقر الفائدة على المدى الطويل عند 3 %.
توقعت اللجنة في الفيدرالي الاحتياطي الأميركي تقديراتها لنمو الناتج المحلي الإجمالي لعام 2026 بمقدار نصف نقطة مئوية إلى 2.3 % لكنها ما زالت تتوقع بقاء التضخم فوق مستهدف 2 % حتى عام 2028، فيما معدل التضخم وفق مقياس الفيدرالي المفضل 2.8 % في سبتمبر 2025، رغم تراجعه عن ذروته في السنوات الماضية، ولا يزال أعلى من الهدف الرسمي بكثير 2 %، خصوصا في ظل مؤشرات غير رسمية نحو الارتفاع في عمليات تسريح الوظائف تصل إلى 1.1 % مليون وظيفة في نوفمبر 2025 ما يجعل البنك يتجه نحو شراء سندات حكومية بقيمة 40 مليار دولار على أن تبقى المشتريات مرتفعة لبضعة أشهر ثم تنخفض بشكل كبير لاحقا.
تطفو المخاوف المستمرة بشأن الذكاء الاصطناعي على السطح مجددا، وقد أعلنت شركة اوراكل تأجيل مواعيد إنجاز بعض مراكز البيانات العملاق التي تطورها لشركة أوبن إي آي الرائدة في نماذج الذكاء الاصطناعي إلى عام 2028 بدلا من الجدول الزمني السابق الذي كان محددا لعام 2027، بعدما انخفضت أسهم أوراكل بنسبة 10.83 % وتتراجع أسهم الشركة 39 % منذ بلوغها أعلى مستوى لها على الإطلاق في سبتمبر 2025، خصوصا بعدما أسهمت أسهم الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا في دعم السوق نحو الارتفاع في الأعوام الأخيرة، لذا فإن بيع المستثمرين للأسهم قد يؤثر سلبا في السوق بصورة عامة، فهناك شكوك حقيقية حول مدى ربحية كل شركة ذات طموحات هائلة، فعندما يخفض الفيدرالي أسعار الفائدة تميل السندات إلى الارتفاع مما يؤدي إلى انخفاض العائدات، بالتالي انخفاض كلف الاقتراض، لكن حدث العكس أخيرا، فقد بلغ عائد السندات لأجل 10 سنوات أعلى مستوى له في ثلاثة أشهر قبل أن ينخفض مرة أخرى، ويواصل الرئيس دونالد ترمب انتقاده للفيدرالي لعدم خفضه أسعار الفائدة بالسرعة التي يرغبها، لأن التخفيضات الثلاثة التي أجراها البنك المركزي الأميركي أسهمت في صعود الأسواق وتجاوز المخاوف بشكل خاص في شان الذكاء الاصطناعي.
خفض سعر الفائدة بمثابة خطوة استراتيجية على الاقتصاد السعودي والخليجي بفضل ارتباط عملات المنطقة بالدولار، يصبح هذا الخفض محفز بضخ سيولة جديدة، باعتبار الاحتفاظ بالمال في الودائع المصرفية التقليدية أقل جاذبية، يدفعهم إلى استثمارها في أصول أخرى، ما يزيد من السيولة في الاقتصاد الكلي، ويعزز النمو في قطاعات حيوية، من العقارات وصولا إلى الاستثمار معززا أجندات التنويع الاقتصادي، حيث يساعد انخفاض تكلفة التمويل الحكومات والقطاع الخاص في تنفيذ المشاريع الكبرى ضمن خطط التنويع الاقتصادي، وسيكون القطاع العقاري اكثر المستفيدين لأن انخفاض تكاليف الرهن العقاري يزيد من الطلب على الشراء، كما يشجع المطورين على إطلاق مشاريع جديدة.
خفض الفائدة يمثل فرصة ذهبية للمصدرين في الخليج سواء كانوا حكومات أو شركات فهو يمكنهم من تمويل مشاريعهم بتكلفة أقل، ويجعل أدواتهم المالية أكثر جاذبية للمستثمرين المحليين والدوليين، مما يعزز من مكانة أسواق المال في المنطقة.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة ام القرى سابقا