عبدالله سعد الغانم
الزيارةُ صنيعٌ جميلٌ وعملٌ يُدخل السرور ومعروفٌ يجلب الأجور، ويجدِّد العلاقات بين الأحبة ويقوِّي أواصر الإخاء بين المتزاورين، ويجعل من الحياةِ حلوةً فتطيب ويزداد فيها الهناء ويغيب عنها العناء، فهناك والدٌ قلبه متفطِّرٌ على فلذة كبده الذي شطَّ مزاره وبعدت دياره، وهناك أمٌّ داهمها الهم وقاسمها الحزن معيشتها ترنو لرؤية ولدها الذي قُدِّر عليها أن يكون بعيدًا عنها لطلب رزقٍ أو إكمال دراسة، وهناك قريبٌ مشتاقٌ لقريبه الذي أخذته مشاغل الحياة، وهناك مريضٌ متطلعٌ لمن يخفِّف عنه آلام المرض مؤنسًا له بحديث الأمل ومشاعر الفأل، وهناك مكلوم يحتاج مَنْ يواسيه جابرًا خاطره مخفِّفًا أحزانه مداويًا جراحه، وهناك صديقٌ متلهفٌ للقاء صديقه الذي قاسمه لقمة عيشٍ أو مجلس درس، وهناك جارٌ مترقبٌ مقابلة جاره، وهناك صاحب فضل ينتظر لمسة وفاءٍ بزيارةٍ ممن كان له معروف عليه ذات يوم.
هذا العمل الرائع لأثره في القلوب وتأثيره في النفوس جاء الشرع حاثًا عليه وداعيًا للمبادرة إليه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما مِن مُسلِمٍ يعودُ مُسلِمًا غدوةً؛ إلَّا صلَّى عليهِ سَبعونَ ألفَ مَلَكٍ حتَّى يُمْسِيَ، وإن عاد عَشيَّةً؛ إلَّا صلَّى عليهِ سَبعونَ ألفَ مَلَكٍ حتَّى يُصْبِحَ، وكان لهُ خَريفٌ في الجنَّةِ). وما أجمل الزيارة حين تكون خفيفةً لطيفةً خاليةً من الكلفة التي تُذهب الألفة وتؤثر على استمرار التواصل بين الأحبة بالزيارة! وما أروع الزيارة حين يكون الاستقبال مشرقًا بابتسامةٍ ساحرةٍ تنبئ عن نقاء القلوب ويكون رائقًا بكلمة ترحيب تعكس طيبة النفوس وسعادتها بالزائرين! وقد لمستُ مثل هذا في زياراتي لأحبتي فقلتُ:
أزور أهلَ ودادي
بهم يُسرُّ فؤادي
تطيبُ فيهم حياتي
هم أهلُ فضلٍ وزادي
قلوبُهم عامراتٌ
مع النقا بودادِ
بهم طلاقةُ وجهٍ
قد أبدعوا في اصطيادِ
وقولُهم قولُ حُسْنٍ
ساروا بدرب الرشادِ
إني بهم لفخورٌ
هم إخوتي وعمادي
فلتجزهمْ ربِّ خيرًا
آمنهمُ في المعادِ
** **
تمير - سدير