بدر الروقي
يوم الثامن عشر من شهر ديسمبر من كل عام نحنُ مدعُوُّون على شرف (اللغة العربية) في يوم احتفائها (الأغر) وعلى مائدتها إذ تصْطَّفُ أشهى أنواع (الأطباق) حيث السَّجع والمقابلة (والطِّباق)، والتي يتَناولها الكثير من (الأجناس)؛ وذَلِكَ لِيُشْبِعوا أرواحهم من الترادف والتورية و(الجِناس)، وكذلك يرْوون عطش أفئدتهم من كأسٍ كان مِزاجها (فصاحةً وبلاغةً وبيانا) عيناً فيها لاتنضب من الإعجاز، ولاتنفد من الإطناب والمُحَسِّناتِ والإيجاز.
فقد آنَ لِكُلِّ (كاتِبٍ) أن يُرَصِّصَ لها حروف (الاحتفاء) في يوم (الوفاء)، ويُصَفِّفَ لها من بيانه نمارق (الثناء) دون (اِنْثِنَاء).
وقد حانَ لِكُلِّ (شاعرٍ) أنْ يُطَوِّعَ لها القوافي، ويُبْحِرَ لأجْلِها بخياله؛ ليُقَلِّدَها (عِقْدَ) عكاظٍ وذي المجاز ومَجنَّة الذي (عُقِدَ) في معيَّتِها وبلسانها وتحت لوائها.
ذلك في يوم لغتنا التي اصطفاها المولى من بين كافة اللغات؛ لتكون وعاءً لكتابه الخالد فَنزَلَ (بلسانٍ عربيٍّ مبين) في يوم لغتنا التي نطق بها خير البشر كافة، وانطلقتْ بها أسمى الرسالات، وبلغتْ ذُرْوتها في عصر صدر الإسلام، وما إنْ جاء العصر الأموي إلاَّ وهي السائدة بين كافة اللغات وما كان لها هذا إلاَّ حينَ أنتجَ أبناؤها علمياً وأدبياً، وحينَ كانت مصدراً لاعتزازهم، واعتداداً لمفاخرهم وبطولاتهم التي بلغت الآفاق، فحافظوا عليها كَهُويَّة وطنيَّة ثقافيَّة لايقبلون فيها عوجاً ولا أمتا من سقط الكلام ودخيله ولحنه وركيكه، ولم يرضوا إلاَّ أنْ تكون قويَّة البُنيان، واسعة البيان، يُشار لها بالبنان، تعلو ولا يُعلى عليها ؛ فكان لهم ما أرادوا، وبشهادة كثيرٍ من غير أهلها، تغنوا بها، وتغزلوا بجمالها، فهذا المستشرق الفرنسي (وليم مرسيه) على سبيل المثال فقد أبهرني وصفه حين قال فيها:
(العبارة العربية كالعود إذا نقرت على أحدِ أوتاره رنت إليك جميع الأوتار وخفقت، ثم تحرك اللغة في أعماق النفس ماوراء حدود المعنى المباشر موكباً من العواطف والصور) فكان أولى بنا اليوم أنْ نقفَ وقفة إجلالٍ في يوم (إحتفائها الخالد) بأقلامنا وإعلامنا وما أُوتينا ؛ فننشرَ عنها، ونُقيم لأجلها الندوات والمحاضرات في مَجَامِعِنا وملتقياتنا وفي مدارسنا وحتَّى في (دُوْرِنا) فهذا هو (دَوْرنا)؛ لنعيدها لوَهَجها ونهجِها.
وختاماً...
لغةُ الكتابِ تشعُ بالنورِ البهي
وتلامسُ الأرواحَ صدقاً مُقتضاه
خيرُ الكلامِ مهابةً وفصاحةً
نهرُ البلاغةِ يسْتقي منه النُحاة