إيمان حمود الشمري
أتذكّر إحدى أهم المحاضرات التي حضرتها في الصين وجذبتني بشدة، حيث كانت تتحدث عن وضع المرأة الصينية، وكيف كانت أحوالها مؤسفة من حيث حرمانها من التعليم والميراث وإجبارها قسرياً على الزواج، وتهميش دورها ليبقى محدوداً، حتى تم منحها حقوقها تدريجياً، ابتداءً من عام 1949، منذ تاريخ تأسيس جمهورية الصين الشعبية ليكون ذلك التاريخ نقطة انطلاقها، وجاءت من بعدها حركة الإصلاح والانفتاح في أواخر السبعينيات بقيادة الرئيس: «دنغ شياو بينغ» لتدعم وضع المرأة الصينية وتوسع وجودها في التخصصات الجامعية، وسوق العمل وتفتح لها أبواب الاقتصاد والسياسة، مماغير من نظرة المجتمع لها وجعله لها مكانة ووزنا، حيث التقيت أثناء زيارتي للصين عام 2022 بالسيدة «هواتشونينغ» نائبة وزير الخارجية التي كانت وقتها متحدثة باسم وزارة الخارجية آنذاك.
إن أي قائد فذ، متّقد البصيرة يعلم مدى أهمية دور المرأة الفاعل في الحياة اليومية، ولكي تنهض ببلد لابد من أن تنصف المرأة وتجعلها شريكاً في المجتمع لكونها أول مؤثرة في المجتمع فهي الأم والأخت والابنة والزوجة... تلك التي تعتبر نصف المجتمع، فإقصاؤها يعني تعطيل نصف الطاقة البشرية..
بينما كان المحاضر يتحدث عن حقوق المرأة الصينية في تلك القاعة الباردة بالحي الدبلوماسي بالعاصمة بكين، والتي كانت تجمع عشرات الإعلاميين من الدول العربية، لم يشعرني بالدفء وقتها سوى أنني كنت أقارن ما يقول فيما يحدث لدينا من دعم لحقوق المرأة، إن وجودي في الصين وقتها كصحفية سعودية كان مثيراً للفضول والتساؤل ومعززا لما يحدث من تغيير داخل المملكة، كنت مثالاً حياً لتغيير وضع المرأة في ظل الرؤية، بقيادة الملك سلمان -حفظه الله- وعراب الرؤية الأمير محمد بن سلمان الذي غيّر قدر المرأة السعودية، من المحدودية إلى التنوع، ومن التشتت إلى الاستقرار، حيث دمج قضايا المرأة بخطط التنمية، فرأيناها تتبوأ مناصب لم تحظ بها من قبل، فجعل منها سفيرة، ووزيرة، ومستشارة، وصاحبة قرار في عالم السياسة والاقتصاد، وأثبتت المرأة السعودية جدارتها، وحفرت اسمها كشخصية قيادية قادرة على تمثيل بلدها وإثبات قدراتها... وعززت الرؤية من تسليط الضوء على المرأة، إذ راقني أن أقرأ «مانشيت» عريضا يتصدر الصحف تحت هذا العنوان: «شقيقتان سعوديتان تربطان الرياض بـ«وول ستريت» بثروة عالمية تتجاوز 50 مليار دولار! فالسيدتان لبنى وحذام أثبتتا مهنية المرأة في التعامل مع الثروة، من حيث صنعها والمحافظة عليها، في حين أن الغالبية يربطها بالأضواء والاستعراض والبذخ، فبحسب تقرير «بلومبرغ»، تمتلك «مجموعة العليان» محفظة أسهم أميركية تقدر بـ13 مليار دولار.
2030 تلك الرؤية التي غيرت النظرة السائدة عن المرأة وجعلتها تخرج من شرنقة الفرد المستهلك إلى المنتج أياً كانت مكانتها، ومن دور المنفذ إلى دور القيادة واتخاذ القرارات، ومن الأرض إلى الفضاء.... نساء خرجن من الصحراء إلى المسرح الدولي، ليلمع أكثر من اسم لم أستطع حصره في هذه السطور القليلة خشية أن تسقط سهواً مني إحداهن... سيدات غيرن مفهوم النظرة للنساء ورفعن اسم المرأة وارتفع معهن اسم المملكة العربية السعودية.