د. خالد بن حمد الخريف
إن تعاقب الليل والنهار ومرور الأيام والليالي من آيات الله المبهرة، التي ينبغي للمسلم أن يتفكر فيها ويتأمل ويعتبر ويرجع وينوب إلى ربه عز وجل، لأن تعاقبها وتصرمها من آياته العظيمة الدالة على قدرته تعالى.
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد، ثم أيضاً تعاقبها ومرورها بهذه السرعة نذير للمسلم بسرعة زوال الدنيا مما يجعله يستعد بالأعمال الصالحة والبعد عن كل ما يسخط الله عز وجل، ومن هذه الآيات هذه الفصول وما يحصل فيها من حر وبرد وأمطار وجذب، ألا وأن الشتاء يحصل فيه بعض الأشياء التي يكثر السؤال عنها والاستشكال فيها، فأحببت كتابة ما أرى أن الحاجة الى بيانه ماسة.
وقبل الدخول في توضيح بعض الأحكام ينبغي للمسلم أن يتذكر نعمة الله عليه في هذا الشتاء من عدة أمور:
1- نعمة الله عليه حيث بلغه الله هذا الشتاء وهو من العمر الذي ينبغي أن يشغل بالعمل الصالح، فكم ممن لم يدرك هذه الأيام.
2- نعمة الأمن في الأوطان والصحة في الأبدان.
3- توفر السكن المريح واللباس الدافئ الذي يتقي به البرد، فكم ممن لا يحصل له السكن واللباس الذي يتقي به البرد.
من الأحكام التي يحتاج إليها المسلم في الشتاء:
أولاً: أحكام المسح
على الخفين والجوربين:
1- الخف: ما يلبس على القدمين من الجلد ونحوه.
2- الجورب: ما يلبس على القدمين من الصوف أو القطن ونحوهما.
شروط المسح عليهما:
1- أن يلبسهما بعد كمال الطهارة.
2- أن يسترا الرجلين مع الكعبين.
3- أن يكونا طاهرين.
4- أن يكون المسح في المدة المحدودة.
5- أن يكون المسح في الوضوء دون الغسل.
6- أن يكون الخف ونحوه مباحاً، فإن كان مغصوباً أو حريراً بالنسبة للرجل لم يجز المسح عليه لأن المحرم لا تستباح به الرخصة.
مدة المسح:
للمقيم: يوم وليلة، وللمسافر: ثلاثة أيام بلياليها.
كيفية المسح:
تبلّل اليد بالماء ويمسح أعلى الجوربين أو الخفين من أصابع القدمين إلى الساق مرة واحدة.
مبطلات المسح:
1- انتهاء مدة المسح.
2- خلع الجوربين أو أحدهما.
ثانياً: صلاة الاستسقاء:
ومن الأحكام التي يحتاج إليها في الشتاء أحكام صلاة الاستسقاء، وهي كما يلي:
1) الاستسقاء: هو طلب السقيا من الله تعالى بإنزال المطر عند الجدب.
2) وقت مشروعية صلاة الاستسقاء:
تشرع صلاة الاستسقاء إذا أجدبت الأرض، وانحبس المطر، وحصل الضرر من انقطاعه، فلا مناص لهم أن يتضرعوا إلى ربهم ويستسقوه، ويستغيثوه بأنواع من التضرع.
أ- تارة بالصلاة جماعة أو فرادى.
ب- وتارة بالدعاء في خطبة الجمعة، يدعو الخطيب ويُؤمِّن المسلمون على دعائه.
ج- وتارة بالدعاء في أي وقت بلا صلاة ولا خطبة.
3) حكم صلاة الاستسقاء:
سنة مؤكدة، عند وجود سببها، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فاستسقى، واستقبل القبلة، وقلب رداء، وصلى ركعتين).
4) صفة صلاة الاستسقاء:
صفة صلاة الاستسقاء في موضعها وأحكامها، كصلاة العيد فيستحب فعلها في المصلى كصلاة العيد، وأحكامها كأحكام صلاة في عدد الركعات والجهر بالقراءة وفي كونها تصلى قبل الخطبة، وفي التكبيرات الزوائد في الركعة الأولى والثانية قبل القراءة، كما سبق بيانه في صلاة العيدين، ويخطب خطبة واحدة.
ثالثاً: صلاة المسافر:
1- يشرع للمسافر قصـر الصلاة الرباعية من أربع إلى ركعتين لقوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ} (101) سورة النساء.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم- من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة».
ويبدأ القصر بخروج المسافر من عامر بلده لأنه الله أباح القصر لمن ضرب في الأرض، وقبل الخروج من بلده لا يكون ضارباً في الأرض ولا مسافراً، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يقصر إذا ارتحل.
2- المسافة التي إذا أراد المسافر قطعها جاز له قصـر الصلاة هي ثمانين كيلومترا تقريباً.
3- للمسافر القصر في رجوعه حتى يدخل بلده الذي خرج منه.
4- إذا وصل المسافر بلداً وأراد الإقامة فيه فله ثلاث حالات:
أ) أن ينوي الإقامة أكثر من أربعة أيام فيجب عليه إتمام الصلاة من أول يوم استقر فيه، ولا يترخص برخص السفر.
ب) أن ينوي الإقامة أربعة أيام فأقل فيجوز له القصـر والترخص برخص السفر.
ج) ألا ينوي إقامة محددة، بل قد يبقى يوماً أو عشـرة أيام حسب مناسبة المكان له، أو لديه غرض من علاج أو مراجعة، ومتى انتهى غرضه رجع إلى بلده، فهذا يجوز له القصــر والترخص برخص السفر حتى يرجع، ولو زادت مدة بقائه على أربعة أيام.
5- إذا صلى المسافر خلف إمام مقيم وجب عليه إتمام الصلاة، ولو لم يدرك معه إلا التشهد الأخير.
6- إذا صلى المقيم خلف مسافر يقصـر الصلاة وجب على المقيم إتمام صلاته بعد سلام الإمام.
رابعاً: أحكام الجمع في المطر:
في فتاوى اللجنة الدائمة (8/ 135): «يرخص في الجمع بين المغرب والعشاء جمع تقديم بأذان واحد وإقامة لكل منهما، من أجل المطر الذي يبل الثياب، ويحصل معه مشقة من تكرار الذهاب إلى المسجد لصلاة العشاء، على الصحيح من قولي العلماء، وكذا الجمع بينهما جمع تقديم للوحل الشديد».
وفي فتاوى الشيخ ابن باز (12/ 291): «لا حرج في الجمع بين المغرب والعشاء ولا بين الظهر والعصر في أصح قولي العلماء للمطر الذي يشق معه الخروج إلى المساجد، وهكذا الدحض والسيول الجارية في الأسواق لما في ذلك من المشقة».
مسألة 2: ضابط بلل المطر الذي يبيح الجمع:
قال الشيخ ابن عثيمين في الممتع (4/ 391): «إذا كان هناك مطر يبل الثياب لكثرته وغزارته، فإنه يجوز الجمع بين العشائين، فإن كان مطراً لا يبل الثياب فإن الجمع لا يجوز، لأن هذا النوع من المطر لا يلحق المكلف فيه مشقة.. فإن قيل ما ضابط البلل؟
فالجواب: هو الذي إذا عُصر الثوب تقاطر منه الماء».
وقال في لقاء الباب المفتوح (16/ 111): «ومعنى يبل الثياب أن الثوب يحتاج إلى عصر من هذا المطر.. أما مجرد الرذاذ فإنه لا يبيح الجمع».
مسألة 3: عند الشك في سبب الجمع، بماذا أعمل؟
قال الشيخ ابن عثيمين في فتاواه ( 15 / 393 ): «إذا كان المطر ولكن شككنا هل هو مطر يبيح الجمع أو لا؟
والجواب: أنه لا يجوز الجمع في هذه الحال، لأن الأصل وجوب فعل الصلاة في وقتها فلا يُعدل عن الأصل إلا بيقين العذر، فاتقوا الله يا عباد الله، والتزموا حدود الله، ولا تتهاونوا في دينكم، واسألوا العلماء قبل أن تقدموا على شيء تحملون به ذممكم مسؤولية عباد الله في عبادة الله، واعلموا أن الأمر خطير، وأن الصلاة في وقتها أمر واجب بإجماع المسلمين».
وقال في فتوى (15/ 399): «ومتى شك الإنسان هل تحقق العذر أم لا، فلا يجمع، لأن الأصل وجوب فعل كل صلاة في وقتها».
مسألة 4: هل يصح الجمع لأجل البرد الشديد؟
قال الشيخ ابن عثيمين في لقاء الباب المفتوح (30/ 224):
«والله هذا يُنظر: هل في هذا البرد الشديد هواء يلفح الناس ويؤذيهم؟ فنعم يجوز الجمع، ودليل هذا حديث ابن عباس رضي الله عنهما...وهذا يدل على أنه كلما وجدت المشقة جاز الجمع».
وقال في لقاء الباب المفتوح (5/ 170):
«ومن ذلك أن تكون الليلة باردة ذات ريح تؤلم الناس فيجوز الجمع؛ لدعاء الحاجة إليه، ولأن المشقة في الوصول إلى المسجد في مثل هذه الحال أعظم من المشقة في الوصول إلى المسجد بالمطر».