مشعل الحارثي
سعدت في الشهر الماضي بحضور احتفال تدشين مقر جمعية أدب الطفل والشريك الأدبي والتي تتخذ من جمعية أدب جدة مقراً لها ويرأس مجلس إدارتها الصديق الأديب الدكتور سعد الرفاعي، وسعدت أكثر بتلك المشاركات الواعدة لمجموعة من الأطفال على مختلف أعمارهم والتي قدمت بعفوية وافق حالم موشح بالألوان والمشاعر الغضة التي جعلتنا نطمئن بأنها سوف تبرزها مواهبهم وإبداعاتهم في المستقبل إذا ما وجدت الرعاية والاهتمام الكامل.
ومن خلال متابعتي لفقرات الحفل عادت بي الذاكرة إلى ذلك الوقت الذي كانت فيه الإذاعة السعودية هي النافذة الوحيدة للمجتمع للإطلالة على الحياة وعندما كانت الأسر تتحلق حول المذياع في بهجة وسرور لمتابعة فقراته وبرامجه المتنوعة، وتذكرت على الفور مجموعة من البابوات جمع (بابا) ممن كان لهم بصمة واضحة ووضعوا نواة الاهتمام بأدب الطفل في بلادنا وفي مقدمتهم الأديب الشاعر طاهر زمخشري (بابا طاهر) الذي قدم أول برنامج إذاعي للأطفال عام 1368هـ باسم (ركن الأطفال)، بل دفعه شغفه وحبه للأطفال إلى اصدار أول نموذج أدبي وإعلامي مقروء للأطفال على مستوى دول الخليج مجلة (الروضة) عام 1379هـ - 1959م، قدمت التوجيه التربوي والفكري والمعلومة والترفيه وبمشاركة نخبة من الأدباء والشعراء، وقد أقيم حفل بمناسبة صدورها في كازينو الشاطئ بجدة، وكان ضيف الشرف سمو الأمير فهد بن عبدالعزيز وزير المعارف آنذاك (الملك فيما بعد) رحمه الله، وحيا ميلاد هذه المجلة التي تهتم بالناشئة الأديب والشاعر محمد حسن عواد فقال: إلى (أسرة الطفل) في بلد طورتها الحياة.. تحيات منفعل معجب.. يهنئ من كل أعماقه خطوات البناة بمشروعها المشرق الطيب.. ستورق (روضتكم) هذه بين أيدي الشداة ستثمر في البيت والملعب.. سيكرع بين ازاهيرها المشتهاة (ولائدنا) رائق المشرب.. كأني أرى بالخيال (مجلة اطفالنا)..
يحررها (طاهر) والرفاق فيحيون امالنا بوعي سنلمسه باليدين.
كما حياها الشاعر المصري المقيم آنذاك بالمملكة مصطفى حمام فقال:
هيــا الروضة البهيــة للطفل
وأدنـى القطـوف والاضـلالا
أيها الشاعر الموفــق بوركــت
ونلــت العــلا ونلــت الكمـالا
يا صديقي الزمخشري ومن حولك
ممن أولاك عونـا ووالـى
قد فرحنا بكم هـداة وحراسا
لأكبادنا وصحبــا وآلا
وعندما استجدت لدى بابا طاهر بعض الظروف الطارئة التي منعته من اكمال المشوار سلم راية البرنامج إلى (بابا عباس) الإعلامي والمحامي والسفير السابق عباس فائق غزاوي وقدم البرنامج منذ عام 1961م واستمر به نحو سبع سنوات، وكان أحد البرامج الهادفة التي قدمت خطابًا تربويًا مناسبًا للأطفال في حينه، وزرعت الحرص والاجتهاد والثقة في نفوسهم من خلال الحوارات معهم والتي تتحدث عن ميولهم وتطلعاتهم في المستقبل والتعبير عن أنفسهم، كما كان يحفزهم ويشجعهم على ذلك بأن يودي معهم الأغاني والأناشيد.
ثم جاء بعد ذلك (بابا يعقوب) التربوي والأديب الذي قدم إلى جانب مجلته التربوية الشهيرة (حسن) بخطوطها ورسومها المميزة أكثر من (200) إصدار من الكتب شملت القصص الدينية، والاجتماعية والتاريخية، وقصص البيئة والحيوان، والألعاب والقصص التعليمية، والقصص المترجمة إلى اللغة الإنجليزية، وعشرات الوسائط السمعية والمرئية كأشرطة الفيديو والكاسيت. وفي عام 1992م ابتكر الفنان والمنتج الراحل هاني السعدي عائلة (بابا فرحان)، وشارك في هذا المسلسل على شاشة التلفزيون السعودي ما يقارب (300) ممثل بعضهم ارتقى إلى مستوى النجومية.
كما قدم عدة مسرحيات لعبت شخصيات مسلسل عائلة «بابا فرحان» أدوارا فيها، وجاب بها عددا من المدن السعودية حيث ركز في هذه المسرحيات على الرسالة التربوية، والوطنية التي أراد إيصالها لأطفال المملكة من حيث الشعور بالانتماء الوطني، ودفعهم إلى التفاعل مع شخصية طفولية عربية، تحل محل الشخصيات الغربية وكان يعمل أيضاً على إطلاق برنامجه هذا ليكون كشخصية عربية كرتونية إلا أن الأجل سبقه إلى إتمام مشروعه هذا رحمه الله.
وبعد عطاء هؤلاء الرموز من (البابوات) الذين يستحقون التكريم والتذكير بجهودهم وعطائهم، وما تبع ذلك من ظهور العشرات من البرامج الإذاعية والتلفزيونية الأخرى إلا أن تأسيس جمعية أدب الطفل يعد نقلة نوعية أخرى في مسيرة الاهتمام بأدب بالطفل السعودي والعربي، ويعد الحاضنة الكبيرة لهم خاصة وقد فتحت ذراعيها مرحبة بأجيال المستقبل، وبالأدباء والمبدعين في الكتابة للطفل وتناول كافة شئونه والمشاركة بالرأي والمشورة في كل ما يعزز مسيرتها ودورها الحيوي، بل ويتطلب ذلك أيضا مساندة رجال المال والأعمال واهتمام ودعم جمعيات الأدب بالمملكة لهذه الجمعية الناشئة التي يعول عليها المساهمة الفعالة في صقل المواهب وتخريج الأجيال القادمة ورجال الغد من الأدباء والمفكرين والمبدعين في مختلف المجالات.