د. علي القحيص
كان العرب قديماً وبخاصة أبناء البادية والبدو الرحل، إذا أتاهم مولود جديد في البوادي يطلقون عليه اسم من ضمن المكان من البيئة التي يقطنونها، أو الحدث الذي يحصل معهم في الطبيعة من حولهم أثناء ولادة الطفل، تيمناً بأن المكان المسمى عليه أو الطبيعة التي ولد في أجوائها هذا الابن واستبشروا به خيراً!
يحدث هذا سواء أيام الجاهلية أو في صدر الإسلام قبل أن يتعلموا ويتعرفوا على تعاليم أحكام دينهم الإسلامي الذي أوضح لهم أن خير الأسماء ما (حُمّد وعُبّد).
فمثلاً إذا هطل المطر على مضاربهم وأتاهم مولود ذكر، أطلقوا عليه اسم (مطر)! وإذا أتاهم موسم ربيع وفير سموا الولد ربيع، وإذا أتتهم عواصف وغبار وأتربة سموا الولد المولود (عجاج)!
وإذا رأوا ذئباً أطلقوا على مولودهم الجديد (ذيب).
وإذا شاهدوا وسمعوا الرعد أطلقوا على ولدهم (رعد).
وإذا شاهدوا النجوم أطلقوا على المولود الرضيع (نجم أو سهيل)!
وكذلك (سبع وفهد ونمر وحصيني وصقر وشاهين وعقاب وكليب) وهكذا دواليك، أكثرها أسماء من وحي ملامح الطبيعة ونوعية البيئة وأثر المكان الذي هم فيه، وكذلك يطلقون بعض الأسماء من أسماء الشهور التي يولد فيها الطفل مثل (رمضان وشعبان ورجب) وهناك من يطلق قمر وبدر وهلال وعيد)!
ويطلقون الأسماء التي لها علاقة بالكرم والشجاعة والبطولة والفروسية مثل: (شعلان وسطام وحاتم وكريم وسيف ورماح وعنيد وسرحان وجرناس وشجاع وحطاب وحواس ومقرن ومتعب وحاكم وفرحان وفيصل ونايف وسالم وغضبان)!
وهناك من يقع اختيار أسماء أولاده على تسميات مثل: (غثيث خليف راضي وحصيني وذيبان وبطاح ...وهكذا).
وكذلك أسماء البنات كما هو الحال لأشقائهن، وينطبق على تسمياتهن مثل واقع أسماء إخوتهن في فلسفة تسمية الذكور في فيافي الصحراء!
والبنات يطلقون عليهن أسماء من الطبيعة أو البيئة مثل: (شمسة وثريا وقمرا ومزنة وملكة وأميرة وشيخة وفيضة ومطيرة ورفعة وحصة ومزنة ووضحى وفضة والعنود وريمة)! وهناك من يسمي (ذيبة، زينة، شقرا، طلية، طرفة، فيضة، عشية)!
وهناك من يسمون أبناءهم.. (كليب أو الذيب أو الحصان)، وصفاً لهم بالشدة والبأس والقوة والصلابة في المنازلة والمقارعة فهم يحاكون مفردات وأشكال وأنواع طبيعة بيئتهم الصحراوية التي ينتمون لها ويتأثرون بملامحها وأشكالها الطبيعية التي تترسخ في ذاكرتهم، ولذلك قال الشاعر علي بن الجهم يمدح الخليفة العباسي المتوكل في تلك المرحلة أيام العباسيين. متوهماً أنه يمدح الخليفة:
أنت كالكلب في حفاظك للود
وكالتيس في قِراع الخطوب
ثم انتبه واستدرك الخليفة ما يتفوه به الشاعر الذي أتى من الصحراء والبادية، وأن شعره هو تصور حال وواقع لبيئة الشاعر نفسه وليس هجاء أو سباً للخليفة!
وقال لمرافقيه هذا نتاج واقعه الذي يعيشه الشاعر، اتركوه واذهبوا به إلى بغداد الخير والجمال والأنوار والبساتين والمدن الرائعة والفاتنات الجميلات من أهل المدينة!
ولما أُعجب الشاعر بالبيئة الجديدة المدهشة والمذهلة وتأثيرها عليه من خلال طبيعتها الزاهية المتحضرة، ورأى بغداد الرشيد ودار السلام والخير والجمال، أنشد الشاعر نفسه قائلاً:
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
وقد كان تأثير البيئة الجديدة على الشاعر جلياً بوضوح، عندما رأى أحوال الناس كيف يعيشون ويأكلون وظروف المعيشة المتطورة في المدينة والشوارع والأنهر، ولذلك تغيرت قناعات الشاعر وتفكيره ونضجت كلماته المعبرة وعذوبة شعره عكس ما كان يقوله سابقاً!
فهكذا تغير البيئة والطبيعة، قناعات وعادات وانطباع الإنسان، حين يتأقلم معها ويتلبس الحالة، ويتناغم وينسجم مع تفاصيل وثقافة المكان!