د.إبراهيم بن عبدالله المطرف
تعرف الغرف بأنها «منظمات تطوعية تنتمي إليها المؤسسات التجارية ورجال الأعمال وأصحاب المهن المختلفة، تهدف لتطوير الفرص التجارية والصناعية وغيرها في المناطق التي ينتمون إليها».
وفي تعريف آخر، هي «تنظيمات اقتصادية تعمل للصالح العام وتستهدف تنظيم قطاعات الأعمال وتمثيلها ورعاية مصالحها وتطوير أنشطتها التنموية، وفي الإطار الذي يحقق تقدم الاقتصاد الوطني».
وبالإضافة للمهام السائدة للغرف المشار إليها في التعريفين أعلاه، تمثل الغرف السعودية نقطة التقاء بين القطاع الخاص والرسمي، وتعمل على تنمية القطاعات الخاصة وتشجيعها، وخلق فرص ومجالات الاستثمار لها في القطاعات الاقتصادية المختلفة، والتعريف بمنسوبيها من رجال الأعمال.
كما تقوم الغرف بمناقشة المقترحات المتعلقة بحل المشاكل التي تعترض مصالح منسوبيها من المنشآت في سعي لمعالجتها. إضافة إلى ذلك، تعد الغرف الدراسات وتهيئ المعلومات وتنظم المعارض والمناشط متعددة الأغراض والأهداف، وتستضيف الفعاليات والمنتديات، وتسهم في خدمة مجتمعاتها المحلية من خلال العديد من البرامج والدورات التعليمية والتدريبية.
وعلى المستوى الإقليمي والدولي، تعمل الغرف على دعم المنتج الوطني عن طريق ترويج الصادرات وتوطيد التعاون بين رجال الأعمال والمؤسسات خارج المملكة، وجذب رؤوس الأموال لتأسيس المشاريع السعودية الأجنبية المشتركة، وحضور المؤتمرات والمعارض التي تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني، ناهيك عن دورها في تطوير التجارة البينية بين مجتمع المملكة من رجال الأعمال والمؤسسات والمجتمع التجاري والصناعي والاستثماري في المنطقة والإقليم والعالم.
واليوم، تشهد الغرف التجارية الصناعية، التي أنشئ أولها في المملكة عام 1945، أي منذ ثمانين عاماً، مرحلة متقدمة من التطلعات إلى دور أكثر فاعلية، دور يتمثل في الاضطلاع بمهام إضافية، تسهم في تطوير وتنمية المجتمع المحلي بشكل خاص، والاقتصاد الوطني بشكل عام.
ويتبين الدور المتزايد للغرف في دعم الاقتصاد الوطني من خلال المهام المتعددة التي تقوم بها على المستويين الداخلي والخارجي. ورغبة في تعزيز دور الغرف السعودية في خدمة الاقتصاد الوطني، أطرح في التالي «وجهات نظر» تمثل مشاركة في دعم الأهداف النبيلة التي يسعى اتحاد وغرف المملكة لتحقيقها.
أولاً: يعلم القارئ الكريم، أنه لا يمكن فصل الدور الاقتصادي للمنشأة عن دورها الاجتماعي، فالمنشأة اليوم فاعل اقتصادي بمسؤولية مجتمعية، لا تنحصر هواجسها في تحقيق الربح فقط، بل هي منخرطة في مشاغل محيطها الاجتماعي للرفع من مكانته وقدرته. وفي عالم اليوم، لم يعد هناك مجال للمماطلة والتأخر والتردد في انضمام المنشآت إلى ركب المسؤولية الاجتماعية. ولقد أصبحنا نرى ونسمع في ذلك الإطار، عن توجهات ومساهمات إيجابية مجتمعية ملموسة من قطاعنا الخاص ممثلاً برجال المال والأعمال، على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
وقد قدمت الغرف في مختلف مناطق المملكة، ممثلة بمنسوبيها الأسر التجارية والمؤسسات التجارية والصناعية، الكثير من العطاءات الجليلة والمساهمات الإنسانية الرائدة، إلا أن المواطن يطمح دوماً بالمزيد، وذلك في ضوء المتغيرات والمستجدات والتحولات المحلية والإقليمية والعالمية في خدمة المجتمع، التي نتج عنها تزايد الاهتمام بالدور الذي تلعبه المسئولية الاجتماعية.
وفي هذا الصدد، نشيد بتجاوب الغرف في المملكة، بتأسيسها لمجالس المسؤولية الاجتماعية، التي تعمل جاهدة على تطبيق المفهوم بمقاييسه العالمية.
ونشيد في الوقت نفسه بمبادرة بعض الغرف في التأسيس لإدارات مستقلة ضمن هيكلها التنظيمي خاصة بخدمة المجتمع، في مسعى لتفعيل دورها في خدمة المراكز الخيرية والإنسانية، وتوطيد علاقتها بمجتمعاتها المحلية في آن.
ثانيًا: ومن منطلق أن الشركات والمؤسسات «المتعثرة» هي مسئولية الجميع، وحيث إنه يوجد بين ظهرانينا العديد من المؤسسات المتعثرة، وأخرى يلاحظ عليها «بوادر» تعثر، فإن الكاتب يرى أنه من واجب اتحاد الغرف، والغرف التجارية الصناعية الوطنية، مساعدة الشركات المتعثرة في التغلب ما أمكن على الصعاب التي تمر بها، من خلال دراستها لنوع المشكلة، فربما كانت نقصاً في السيولة، أو تعثراً ناتجاً عن سوء إدارة، آخذين في الاعتبار بأن إعادة إصلاح هذه المؤسسات المتعثرة، هي مسؤولية يقع جزء منها وبشكل مباشر جداً على الغرف التجارية. وننتهز الفرصة لنشيد بما تقوم به «منشآت» لتعزيز دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
جميل جداً، أن نؤسس لمشاريع جديدة، وربما كان من المناسب أن نستغل جزئية من الأموال الموجهة للمشاريع الجديدة، في إعادة بناء «المتعثر» من منشآتنا. ولا أحسبه يخفى على مجتمع الأعمال في الغرف التجارية، المكانة التي تحتلها المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في اقتصاديات الوطن.
ثالثاً: يتبين للمراقب والمتابع لمناشط الغرف السعودية، أن هناك «فجوة» في التواصل بين الغرف والفعاليات الاقتصادية المختلفة، والكاتب هنا لا يلقي باللوم على الغرف، نتيجة قناعته المهنية بأن الاتصال والتواصل يتطلبان جهداً من جميع الأطراف، أي أن التواصل يمثل «مسئولية مشتركة». وتأتي القناعة بوجود تلك الفجوة، ملاحظة الكاتب لتدني مستوى المشاركات والمساهمات من قبل رجال المال والأعمال والتجار والصناعيين، وذوي العلاقة بنشاطات الغرف من الأكاديميين ورجال الصحافة والإعلام والمحاماة وغيرهم، ما يتطلب بذل الغرف جهداً أكبر لتقليص تلك الفجوة، سعياً لتقارب ومساهمة ومشاركة أوسع، تعود بالنفع على الغرف والمجتمع والوطن.
وهنا لابد من الإشادة بتبني غرفة الشرقية في بداية الألفية، برامج ساعدت على تضييق تلك الفجوة ممثلة بـ»اللقاء الأسبوعي» الذي يتخلله في العادة جلسات للتعارف والحوار والمناقشة، بين مسئولي الغرفة من جهة، ورجال الأعمال والفعاليات الاقتصادية المختلفة، والمسؤولين الرسميين من جهة أخرى. وقد قامت غرفة الشرقية مشكورة، بنقل تلك التجربة الناجحة إلى فروعها.
وإضافة لذلك، ولتحقيق هدف تضييق الفجوة المشار إليها، قامت الأمانة العامة لغرفة الشرقية مشكورة، مصحوبة بقياداتها التنفيذية، بزيارات تواصل بأعضاء إدارات سابقين وتعريفهم بتوجهات وبرامج الغرفة، وكان ذلك في بداية الألفية أيضاً، والتي شملت لقاءات تواصل ناجحة، حضرها عدد من أعضاء مجالس إدارات وأمناء عامين سابقين، تحقيقاً لنهج الاتصال والتواصل المشار إليه.
ولعلي أنتهز الفرصة لأشيد أيضا بتنظيم غرفة الشرقية في عام 2001، لأول «منتدى اقتصادي» على مستوى المملكة والغرف، تحت اسم «المنتدى الاقتصادي الأول للمنطقة الشرقية».
وقد حظيت فكرة المنتدى باهتمام من لدن سمو أمير المنطقة الشرقية الأمير محمد بن فهد تغمده الله بواسع رحمته، الذي رعى المنتدى وشرفه. كما حظي المنتدى باحتضان سمو نائب أمير المنطقة آنذاك، الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز سلمه الله، الذي لاتزال تشدني كلماته التوجيهية خلال مرحلة المشاورات حوّل تنظيم المنتدى. وقد شارك في جلسات المنتدى رجال دولة ووزراء سابقون ومسؤولون حكوميون ورجال مال وأعمال واقتصاد ومحاماة وصحافة وإعلام من داخل المنطقة الشرقية وخارجها.
وفي المطلق، فإن المتتبع لمسيرة الغرف السعودية منذ قيامها، وكما أسلفنا، قد لاحظ الدور الريادي الذي اضطلعت به في خدمة اقتصادنا الوطني، ممثلاً بقطاعاته المختلفة والمتعددة، وذلك من خلال الطروحات والمشروعات والإنجازات التي تمت منذ ذلك الحين، علماً بأن السنوات الأخيرة من عمر الغرف السعودية، قد اتسمت بتحرك حيوي فاعل ومتواصل مع مختلف القضايا المطروحة على الساحة الاقتصادية، خدمة للقطاعات التجارية والصناعية، والمجتمع السعودي بشكل عام.
لقد جاء إنشاء الغرف التجارية السعودية مواكبًا لبداية تطور واضح على صعيد التنظيم الإداري والمؤسساتي للكثير من أجهزة الدولة من ناحية، وعلى صعيد تطور الحركة التجارية والصناعية في المملكة من ناحية أخرى. كما جاء متزامناً مع الازدهار المتنامي الذي شهده القطاع الخاص. ولقد قامت الغرف السعودية بدور كبير في خدمة الاقتصاد الوطني باعتبارها بيوتاً للمال والأعمال، ومظلات للتجار والصناعيين، وأسهمت بشكل كبير في نمو هذين القطاعين.
ويمكن القول بأن الغرف التجارية قد قامت بدور ملموس في دعم خطط الدولة الخاصة بعدد من القضايا الوطنية المحورية التي مثلت توجهات الدولة نحوها خيارات إستراتيجية، وأخص بالذكر، خطط السعودة وتوطين الوظائف وتأهيل العمالة السعودية وتدريبها ورفع مستوى كفايتها وكفاءتها الإنتاجية.
ونختم القول، بأن التحديات التي تفرضها المتغيرات الإقليمية والدولية، تتطلب من اتحاد الغرف السعودية والغرف التجارية الصناعية، التوقف بين الفينة والأخرى، لمراجعة وتقييم أساليب العمل التي تنتهجها، والعمل على إيجاد ما يضفي نظرة ورؤية جديدة على دورها في الحياة الاقتصادية السعودية، إلى ما يتجاوز النظرة التقليدية الضيقة، ويفتح أمام الاتحاد والغرف أبواباً جديدة وواسعة لتطوير القطاعات التي تخدمها بشكل خاص، والاقتصاد الوطني والمجتمع السعودي بشكل عام.
ومن منطلق، أن الله لا يشكر من لا يشكر الناس، فإنه يطيب لي وبسعادة بالغة، أن أتقدم بجزيل الشكر والامتنان لرجال الأعمال في المنطقة الشرقية والمملكة على حد سواء، الذين بذل عدد كبير منهم الجهد والعطاء، بالمشاركة في إدارة دفة مجالس إدارات الغرف، وتنمية دورها، ورسم مستقبلها، وتمويل برامجها ومشاريعها، ورعاية فعالياتها . كما يطيب لي ان أتقدم بخالص الامتنان لبعض رجالات الدولة ذوي العلاقة بالغرف التجارية الصناعية، والذين دعموا مراحل تطويرها وبناء أسسها وأنظمتها وعلاقاتها بالآخر، في الداخل، والجوار، والإقليم.
والشكر موصول لمقام وزارة التجارة، وعلى رأسها الأخ والصديق الدكتور ماجد القصبي، الذي سرني العمل معه في إدارة دفة أمانتين هامتين للغرف في المملكة، هما أمانتا جدة والشرقية. ولاتحاد الغرف السعودية، ولغرف التجارة والصناعة الوطنية، من قيادات وتنفيذيين ومنسوبين كل التقدير والاحترام على جهودهم في الارتقاء بمكانة الغرف السعودية تنظيماً وأداء، تماشيا مع ما نشهده من تقدم ورفعة، في ظل رؤيتنا الطموحة، وتوجيهات مولاي الملك سلمان وسمو ولي عهده، يحفظهما الله.
وفق الله العاملين. والله من وراء القصد.