خالد بن عبدالرحمن الذييب
يعد مفهوم «المدن الإسفنجية» والذي صاغه البروفيسور الصيني «كونغجيان يو» عام 2013م ليصف المدن التي لا تقاوم المياه بل تتعايش معها كشريك طبيعي، أحد أبرز التحولات في الفكر الحضري المعاصر. تعتمد هل الفلسفة على تحويل الغطاء الحضري من مسطحات خرسانية صماء تطرد المياه، إلى بيئة مرنة تعمل كالإسفنجة، تمتص الأمطار عبر أرصفة مسامية وأحواض زراعية منخفضة صُممت لتجميع المياه وتوجيهها إلى باطن الأرض، ثم تخزنها في خزانات جوفية طبيعية لتعيد استخدامها لاحقاً. وقد نضجت الفكرة عالمياً من خلال التجربة الصينية الضخمة التي انطلقت عام 2015م، كمشروع وطني استهدف 30 مدينة نموذجية، حيث دفعت أزمة الفيضانات المتكررة إلى البحث عن بدائل للبنية التحتية التقليدية التي عجزت عن الصمود أمام التغير المناخي.
وتبرز منطقة «لينغانغ» في مدينة شنغهاي كنموذج لكيفية تخفيف أضرار السيول، فرغم موقعها الساحلي الذي يعرضها لأعاصير مدارية بحرية محملة بأمطار غزيرة، إلا أن تصميمها «الإسفنجي» الحديث أثبت كفاءة عالية في توزيع استيعاب التدفقات المائية الكبرى، وفي المقابل، واجهت مدينة نيويورك تحديات جسيمة خلال أحداث مناخية استثنائية مثل إعصار «آيدا» عام 2021، حيث وجدت أنظمة الصرف التقليدية في المدينة صعوبة بالغة في مجاراة وتيرة الأمطار المتطرفة التي تجاوزت القدرات التصميمية لشبكاتها العريقة، ويظهر الفرق ليس في المدينة، بل في قدرة «الهندسة الإسفنجية» الحديثة على توفير هامش أمان أوسع من تلك التي توفرها الأنظمة الاسمنتية المغلقة.
ومحلياً تبرز مدينتا الرياض وجدة كأهم النماذج التطبيقية لهذه الرؤية، فبينما يعمل مشروع «الرياض الخضراء» على زراعة 7.5 مليون شجرة لتقليل الجريان السطحي بنسبة 30 %، تخطو جدة خطوات واسعة عبر تأهيل الأودية الرئيسية مثل غليل ومريخ وغيرها، محولة مجاريها إلى قنوات استيعابية آمنة مرتبطة بسدود احتجازيه حديثة، مما يقلص مخاصر السيول للمدينتين.
تتعدد أهداف هذا التحول لتشمل تعزيز التنوع البيولوجي وتغذية المياه الجوفية وخفض حرارة المدن، بالإضافة إلى رفع جودة حياة السكان.
أخيراً ..
الأمطار خير وبركة، ولكنها أحياناً تشكل تهديداً للمدن.. المدن الإسفنجية تحولها إلى مورد بيئي مستدام يضمن الصمود والازدهار.
ما بعد أخيراً..
المدن الإسفنجية ليست خياراً بل ضرورة تفرضها تقلبات المناخ.