رمضان جريدي العنزي
لا شيء أقبح من الكذب أو الدجل حين يتلبّس ثوب الحكمة، ولا من التحريف حين يتخفّى خلف ادّعاء المعرفة، ولا شيء أثقل على النفس من الخزعبلات التي تُفرض كحقائق، والخرافات التي تُراد لنا أن نؤمن بها رغماً عن العقل، أقبح من ذلك كلّه تلك البطولات المصنوعة في الظلّ، المنتفخة بالكذب، والمسميات التي تُمنح لمن لا يستحق، والألقاب التي لا تعكس حقيقة صاحبها، والمظاهر التي تلمع في الخارج بينما يخفت جوهرها في الداخل، فما أشدّ قسوة أن يُستبدَل الضوء بالوهج الزائف، وأن تُقدّم الأصداف الخاوية على أنها درر ثمينة، لا شيء أبغض ولا أدنى من الكذب والدجل حين يُسوَّق كحقيقة، ولا من التحريف حين يُفرض على العقول كأنه علم، أقبح ما في الوجود أن تُرفع الخزعبلات إلى مقام البديهيات، وأن تُقدّم الخرافات على أنها وحي منزل، وأشدُّ ما يثير الاشمئزاز تلك البطولات الملفّقة التي يختلقها أصحاب النفوس الصغيرة، والمسميات المنتفخة التي تُعلَّق على صدور لا تستحق حتى الظل، والألقاب التي تُمنح لمن لا يملك من مضمونها شيئًا، أما المظاهر الزائفة فهي قمّة القبح: لمعانٌ خارجي يخفي خواءً مطلقًا، وصوتٌ مرتفع يخفي فراغًا مُدوّيًا، وشخصيات لا تساوي شيئًا إلا إذا دعمتها الأكاذيب التي بُنيت عليها، ليس أقسى على الحقيقة من أولئك الذين يدفنون عجزهم تحت عباءة الحكمة المزورة، ويختبئون خلف أقنعة مضغوطة ليمارسوا أكاذيبهم بصفاقة العارفين، أنهم يختلقون لأنفسهم بطولات من ورق، وينفخون في ذواتهم حتى يظن الجاهل أنهم قامات، بينما هم في الحقيقة مجرد ظلال مرتعشة تخشى مواجهة الضوء، ما أقبح أن يتحول الكذب إلى لغة وموقف، وأن يرفع إلى مقام الحقيقة، وما أتعس النفوس الصغيرة حين تعتقد أن افتعال المجد يمكن أن يمنحها حجماَ أكبر، فالبطولات الحقيقية لا تكتب بالحكايات المختلفة، والقصائد الكاذبة، بل تصنع بمواقف لا تعرف الزيف، وبضمائر لا ترتجف أمام الصدق، البعض لا يملك شجاعة الحقيقة، فينسج حول نفسه هالات مزيفة ليخفي هشاشته، لكن الزيف مها لمع، يظل رخيصاَ، وصاحبه أوضح من أن يختبئ.