إبراهيم بن يوسف المالك
في حياتنا اليومية، نصادف أشخاصًا من مختلف المواقع والوظائف والخلفيات. بعضهم يحمل شهادات عليا وألقابًا مهنية رنانة، وبعضهم الآخر يمارس أعمالًا بسيطة قد لا يلتفت إليها كثيرون. غير أن ما يغيب عن أذهان الكثيرين هو أن قيمة الإنسان لا تقاس بما يحمله من مسمّى وظيفي أو شهادة جامعية، بل تُقاس بما يحمله في داخله من كرامة إنسانية تستحق الاحترام.
الاحترام ليس هدية نمنحها لمن نرى أنه «يستحق»، وليس امتيازًا مشروطًا باللقب أو المنصب. بل هو قيمة أساسية يجب أن تسبق كل تعامل، لأنه حق أصيل لكل إنسان. فعندما تحترم من أمامك دون النظر إلى درجته الاجتماعية أو الوظيفية، فأنت في الحقيقة تعترف بإنسانيته أولًا، وتجعل من الاحترام عادة يومية لا استثناءً.
لقد اعتدنا أن نُظهر تقديرًا فوريًا لمن يحمل لقبًا مرموقًا أو شهادة نادرة، بينما نتغافل عن إظهار أبسط صور الاحترام لشخص عادي يمر بجانبنا أو يؤدي عملًا بسيطًا. لكن هل يختلف حق هذا عن ذاك؟ في الواقع، لا. فالابتسامة التي نمنحها لعامل النظافة قد تعني له أكثر مما نتخيل، وكلمة «شكرًا» لموظف بسيط قد ترفع معنوياته وتُشعره أن لجهده قيمة.
المجتمعات السليمة تُبنى على ثقافة احترام متبادل، لا تميّز فيها بين الناس على أساس المناصب أو المؤهلات. هذه الثقافة هي التي تعزز الثقة، وتزرع شعورًا بالعدالة والانتماء، وتخلق بيئة يزدهر فيها الجميع. فإذا أردنا أن نعيش في بيئة صحية، علينا أن نبدأ بأنفسنا: أن نحترم الكبير والصغير، المتعلم والأمي، المسؤول والموظف البسيط.
الاحترام لا يكلّف شيئًا ماديًا، لكنه يترك أثرًا عميقًا قد يستمر لسنوات. وهو لا يحتاج إلى قوانين تُفرض، بل إلى وعي يترسخ وممارسة يومية تبدأ بكلمة، بإيماءة، أو بابتسامة.
لنجعل من الاحترام عادة لا استثناء. فحين يصبح الاحترام قاعدة في تعاملاتنا، نصنع مجتمعًا أكثر تماسكًا، وأقل توترًا، وأعمق إنسانية.